تاريخ اليمن القديم

تاريخ اليمن القديم[عدل]
من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة
تاريخ اليمن القديم هو التاريخ الذي يتناول الحضارات الصيهدية نسبة لصحراء صيهد في بلاد اليمن من الألفية الثانية قبل الميلاد حتى وصول الإسلام في القرن السابع. دراسة هذا التاريخ مهمة لإنها ليست متعلقة باليمن فحسب بل بتاريخ شبه الجزيرة العربية بشكل عام فلم تقتصر على المواضع المذكورة آنفا بسبب سيطرتهم على الطرق التجارية أهمها طريق البخور وطريق اللبان كون اليمنيين كانوا محتكرين لتجارة الذهب والطيب والأحجار الكريمة والمر. امتد نفوذ هذه الممالك حتى منطقة ديدان [1] وعلى السواحل الشرقية لأفريقيا وبالذات المناطق الشمالية لإثيوبيا في منطقة أكسوم وأثروا على سكان هذه المناطق الذين استعاروا نظام الكتابة اليمني القديم المعروف بخط المسند[2][3][4] وهناك اعتقاد عند الباحثين أن أهل يثرب القدماء أو من عُرف بالأنصار كانوا جزءا من غرس سبئي أو معيني في الطريق التجارية لغرب الجزيرة العربية.[5]
ينقسم التاريخ القديم لثلاث مراحل الأولى مرحلة مملكة سبأ والثانية فترة الدول المستقلة وهي مملكة حضرموت ومملكة قتبان ومملكة معين والثالثة عصر مملكة حمير وهو آخر أدوار التاريخ القديم. مرت البلاد بعدة أطر من ناحية الفكر الديني بداية بالوثنية وتعدد الآلهة إلى توحيدها من قبل الحميريين [6] وشهدت البلاد تواجداً يهودياً منذ القرن الثاني للميلاد [7] أغلب مصادر تاريخ اليمن القديم هي كتابات خط المسند بدرجة أولى تليها الكتابات اليونانية [8] أما كتابات النسابة والإخباريين بعد الإسلام فلا يمكن الاعتماد عليها بشأن تاريخ البلاد القديم لعدم قدرتهم قراءة خط المسند وإتساع الهوة الزمنية بينهم وبين مملكة سبأ ولكن كتاباتهم معقولة ماتعلق الأمر بالزمن الذي عاشوا فيه [9] إضافة إلى لجوء بعض مؤرخي السيرة النبوية مثل ابن إسحاق وغيره إلى وضع روايات وأبيات شعرية مختلقة على ملوك اليمن القديم لأسباب دينية وسياسية للإيحاء بأن اليمنيين القدماء كانوا يحجون إلى مكة وما تواتر عن صراع بين عدنان وقحطان لأجل السيطرة على تلك المدينة، رغم عدم العثور على أي ذكر لمكة في أية كتابة قديمة مكتشفة حتى الآن على كل أراضي الجزيرة العربية، وليس في اليمن فحسب ولا في كتابات اليونان الكلاسيكية فهناك غياب واضح لها في الكتابات القديمة رغم أن السبئيين كانوا يجيدون الكتابة منذ القرن العاشر ق.م على الأقل [10] عدا أن اليمنيين لم يعرفوا قحطان هذا كجد بل عرفوا المسمى كاسم محطة تجارية تابعة لهم في قرية الفاو فهم كانوا يعتقدون أنهم أبناء آلهتهم[11] وهو مايُضعف الإدعاءات الواردة في كتب التراث العربية بشأن التاريخ القديم لليمن والجزيرة العربية بشكل عام فلا توجد دلائل مادية أن كعبة مكة عنت لليمنيين أي شي [12] فلا يعرف متى بنيت على وجه الدقة فلا ظهور لمكة إلا في القرن السادس الميلادي عقب سقوط مملكة حمير [13]كان لليمنيين القدماء نظام زراعي متطور وعرفوا ببناء السدود الصغيرة في كل واد وأشهر السدود اليمنية القديمة سد مأرب وازدهرت تجارتهم وكونوا محطات وممالك صغيرة منتشرة في أرجاء الجزيرة العربية مهمتها حماية القوافل من محاولات الأعراب لنهب وسلب محتوياتها[14][15] وأسسوا إحدى أهم ممالك العالم القديم المعروفة باسم ممالك القوافل وبلادهم باسم بلاد العرب السعيدة في كتابات المؤرخين الكلاسيكية.[16]

تاريخ البحث العلمي[عدل]

كان للنمساويين الصدارة في دراسة النصوص اليمنية القديمة وأشهر هولاء المستشرق إدورد جلازر الذي جمع خلال زياراته الثلاث إلى اليمن حوالي 1032 نقشا قديما[17] وبالتعاون مع صديقه الفرنسي جوزيف هاليفي الذي درس وحده 800 نقش في القرن التاسع عشر ودخل اليمن وتجول بأرجائها كيهودي متسول من فلسطين ليقي نفسه تحرشات القبائل إذ كانت القبائل لا تتعرض لفقراء أهل الذمة بسوء.[18] كانت هناك محاولات متواضعة من مستشرقين إيطاليين ودنماركيين في القرن السادس العشر إلا أنها لم تكن مثمرة. بعد الحرب العالمية الأولى، بدأ عدد من الباحثين المصريين والسوريين "كشيخ الآثريين" المصري أحمد فخري، وله كتابان عن اليمن وتاريخها القديم، بزيارة اليمن والمشاركة في أعمال التنقيب والحفريات. أما أول أمريكي يزور اليمن فكان الباحث ويندل فيليبس وعدد آخر من الباحثين مثل ألبرايت وألبيرت جامه. ثم كان كتاب المؤرخ العراقي الراحل جواد علي العبيدي المعنون المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام وفيه أبدى الدكتور جواد رأيه في كثير من المسائل وأطروحات المستشرقين فلم يكن متوافقا معهم كليا ولا مجرد ناقل بل تناول كتابتهم وكتابات المؤرخين العرب بالنقد والتمحيص كذلك، فهي أبحاث علمية تحتمل الخطأ والصواب. في عام 1987 قام الباحث الألماني ويرنر دوم بزيارة اليمن وتأليف كتاب "اليمن، ثلاثة آلاف سنة من الفن والحضارة في العربية السعيدة" (إنجليزية:Yemen: 3000 Years of Art and Civilisation in Arabia Felix) تطرق فيها الكاتب لأبحاث حديثة حول تاريخ الفنون والتماثيل والمعتقدات الدينية "للعربية السعيدة". المكتشف من نصوص خط المسند يمثل نسبة ضئيلة للغاية من تاريخ سبأ واليمن بشكل عام، والدراسات قليلة وغير وافية ومعظم النقوش نُسخ من قبل سياح ومستشرقين دخلوا اليمن متنكرين خوفاً على حياتهم ولم تتوفر لهم فرصة لدراسة النصوص والمعابد بشكل دقيق بعيدا عن المنغصات، فضلاً أن كل المُكتشف الذي تم دراسته عثر عليه على ظاهر الأرض، وما تحتها يتجاوز ذلك بلا شك. فهذه معوقات لا تسمح بتكوين صورة دقيقة ومكتملة عن التطور السياسي للسبئيين وهو ما فتح بابا للجدال واختلاف الآراء والتفسيرات حول دلالات المُكتشف من النصوص[19] وللأسف فإن الأبحاث الآثارية الحديثة في اليمن تتعرض لمضايقات وعرقلة بسبب الاضطرابات.[20][21]
كتابات النسابة وأهل الأخبار يجب أن تقرأ بحذر وتمحيص شديد لإن مجال الوضع والكذب فيها واسع فعدد كبير من الإخباريين كان يؤلف كتاباً في "فضل" قبيلة ما ومآثرها إما تعصباً أو تكسباً بالأموال [22] ولاحظ الباحثين في العصر الحديث أن الموارد الإسلامية أو تلك التي دونت بعد الإسلام تحتوي شيئاً من الصحة عن التاريخ العربي قبل الإسلام ماتعلق الأمر بالقرن السادس الميلادي على أكثر تقدير مع ذلك لا يمكن الاعتماد على تلك المصادر لإنها لم تعتمد على سند مدون ولا نص مكتوب بل كانت روايات شفهية متواترة تعتمد على القيل والقال وهو حال كل كتابات المؤرخين المسلمين للأسف [23] فمن غير المنطقي من وجهة نظر بعض الباحثين، إدراج النسابة والإخباريين لحوارات طويلة بين شخصيتين تاريخيتين بدون الرجوع إلى مصدر أصلي مدون عن الحوار المزعوم فذاكرة الإنسان مهما كانت لا تحفظ نصاً واحداً بمجرد الاستماع وإحتمالية الكذب والزيادة والوضع كبيرة في ظل ثقافة شفهية كهذه [24] لعل أبرز نتائج هذه الثقافة الأخبار عن الإنتصارات والمفاخر بين القبائل وكلها روايات نابعة من خصومات الافتعال والكذب فيها جلي [24] مثل مايسميه بعض الإخباريين انتصاف قبائل بدوية من ملوك حِميّر [23] وقد كان المؤرخون المسلمون يعتمدون على الشعر لإثبات حوادث تاريخية فيزعمون أن ملكاً أو فارساً أنشد شعراً في موقعة ما وبذلك تكون الفكرة التي أرادوا إيصالها مثبتة تاريخياً في نظرهم ووصل بهم الأمر إلى نسب أبيات شعرية إلى آدم بل إبليس نفسه [25] وحتى إن نقلوا من مصادر مدونة فإنهم يقحمون آرائهم وينقلون عنها من منطلق الواعظ والناصح ولذلك اختلف المؤرخين المسلمين عن اليونان والبيزنطيين كثيراً، فكتابات اليونان وإن عابتها توجهات سياسية إلا أنها أكثر موثوقية[26] وعلى هذا فإن قصص الإخباريين والنسابة ضعيفة ماتعلق الأمر بالتاريخ العربي قبل الإسلام عموماً والتاريخ اليمني بشكل خاص لإن اليمنيين كانوا يدونون بخط المسند وذكروا في كتابات اليونان والبيزنطة ومع ذلك لم يكلف النسابة والإخباريين أنفسهم الرجوع لتلك المصادر باستثناء قليل منهم كان على إطلاع على كتابات السريانحول بعض التواريخ مثل قصة ذو نواس الحِميَّري [27] وقد تنبه مؤرخون مسلمون في عصور لاحقة لذلك وانتقدوا أساليب من سبقهم مثل ابن خلدون[28] ولكن من بين الإخباريين الذين بذلوا جهداً معقولاً في هذا الجانب كان المؤرخ والجغرافي اليمني أبو محمد الهمداني مؤلف صفة جزيرة العرب لإنه كان من القلائل الذين حاولوا قراءة نصوص المسند على الأقل وقد زار المواقع الأثرية بنفسه ودون مارآه وهو مجهود لم يفعله أحد من المؤرخين المسلمين [29] ولكنه مع ذلك وقع في أخطاء فادحة [9]

الأصول[عدل]

منحوتة لامرأة تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد أو بدايات الثانية (القرن العشرين ق.م)
ليس من الواضح ما إذا كانت هذه الحضارات القديمة منبثقة من حضارات بدائية قامت في العصر البرونزي (امتدادا للعصور الحجرية) في اليمن أم أنهم نازحين منفلسطين خلال العصر الحديدي. فالبعض يعتقد أن السبئيين وغيرهم كانوا امتدادا لحضارات بدائية قديمة جدا قامت في اليمن إلا أن الارتباط اللغوي للعرب الجنوبيين معالكنعانيين بالذات يرجح نزوحهم إلى الجنوب على رأي علماء المدرسة الألمانية القديمة[30][31][32]، وتبقى هذه مجرد نظرية، فسبب النزوح (إن حدث فعلا) لا يزال غير معروف. ولكن في الفترة التي عثر فيها على كتابات مسندية قديمة في اليمن، كان المصريون قد توغلوا في كنعان وأخضعوها لحكمهم، فيعتقد أن غزو المصريين كان سبب النزوح جنوبا واقتتالهم مع ممالك محلية صغيرة (ممالك مدينة ـ City States) وهيمنتهم عليها.[33] وقد ورد نص مصري عن تلقي الإمبراطور المصري تحتمس الثالث هدايا من يمنيين في القرن الخامس العشر، وهذه الهدايا كانت بخورا مما يدل على قدم سيطرة اليمنيين على مناطق إنتاج البخور ويضعف فرضية النزوح في العصر الحديدي.[34] كشفت أبحاث قصيرة في عام 2001 عن وجود حضارة زراعية تعود إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد وهو ما يُفند النظرية المستندة على التوراة بشأن أصول السبئيين[35] فالعامل اللغوي وما جاء في التوراة عن أعراب سبئيين قرب مناطق اليهود هو ما حمل باحثي المدرسة الألمانية القديمة على ترجيح نزوح العرب الجنوبيين من أقصى جنوب فلسطين. فالتوراة ذكرت ما يٌفترض أنه نسب سبأ ثلاث مرات مختلفة فذكر سبأ من نسل الشخصية التوراتيةإبراهيم من ولد اسمه "قيشان" كان شقيقاًلمدين الذي أنجب ديدان.[36] وذكرت التوراة كذلك أن السبئيين كانوا يغيرون على أيوب ويسرقون بقره ويقتلون الأطفال وهي تعطي دلالة أن عدداً من السبئيين كان بدوياً ويغير على المزارعين في مواقع قريبة من اليهود.[37] وذكرت التوراة أيضا سبأ أخرى شقيقة لحضرموت ومن أبناء يقطان بن عابر وهو الإدعاء الذي تمسك به النسابة والإخباريون الذين ظهروا بعد الإسلام[38] وأنهم كانوا يسكنون "ميشع" ونزحو إلى "سفار" ويعتقد الباحثون أن المقصود بسفار عند اليهود هو ظفار يريم عاصمة الحميريين[39] وذكروا سبأ من نسل كوش[40] وهي إن أثبتت شيئا فهو امتداد نفوذ السبئيين إلى عدة مناطق على شكل مستعمرات، وتعدد المناطق التي قدمت منها القوافل السبئية خلط الأمور على اليهود.[41] ذكر الباحثون في سياسة العرب الجنوبيين تكوين مستعمرات وتمهيد الطرق للقوافل، وبناء على ذلك فلا شك أن جماعة من السبئيين كانوا يسكنون على مقربة من أرض كنعان.[42] وقد عثرت بعثة إسكتشاف أمريكية على آثار من النحاس والحديد وكتابات بخط المسند تعود إلى القرن الثامن ق.م في موقع "تل الخليفة" بالأردن يرى الباحثون أن لها علاقة بالمعينيين في العلا.[43][44] هذا لا يعني اعتبار التوراة مرجعا ولكن الوارد فيها قد يعطي لمحة لبعض التواريخ فكتاباتهم تشبه كتابات النسابة والإخباريين العرب تتعرض للأهواء والأمزجة والأحقاد وأغلبها بطابع دعائي كاذب. وقد عثر الأثريون على كتابات سبئية ومعينية في مختلف أرجاءشبه الجزيرة العربية في قرية الفاو بل في العراق كذلك في موقع "وركاء" على شاهد قبر قديم[45] ولا يعرف على وجه الدقة ما إذا كان هولاء الذين دونوا بالمسند في العراق يمانيين أم من سكان البلاد الأصليين. واكتشفت كتابات معينية في ميناء "عصيون جابر" وهو حسب العهد القديم أحد الموانئ المهمة للملك سليمان وكتابات مشابهة في القطيف.[46][47] ورد في نصوص سومرية كلمة "سبا" في كتابة "لجش تلو" ويعتقد أن المقصود "أرض سبأ" وذلك منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد[48]، وقال هومل أن كلمة "سابوم" الواردة في نصوص لملوك أور هي ذاتها سبأ المذكورة في العهد القديم والقرآن.[49]
كان التبادل التجاري مبلغ علم العبرانيين فلا يوجد في كتبهم سوى أن السبئيين كانوا أثرياء وتجار بخور ولبان وأحجار كريمة، ويظهر أن الأمور اختلطت عليهم بسبب تعدد المواقع التي قدمت منها القوافل السبئية[50] المهم في هذه الكتابات اليهودية هو توصيفها لحال الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية. وقد وجدت كتابات تصف وضعا مشابها في كتابات اليونانيين والرومان. كانت الكتابات اليونانية في البداية مبالغا فيها ويشوبها عنصر الأسطورة ولكنها تحسنت بعد الاتصال المباشر لليونانيين باليمنيين القدماء وزيادة أطماع اليونان السياسية كانت دافعا لهم لدراسة الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية ودراسة مواطن ضعفه حتى أنهم خزنوا ما كتبوه عن اليمن القديم في خزانة مكتبة الإسكندرية واعتبروه من أسرار الدولة التي لا يطلع عليها العامة.[51]
أما الوارد بشأن جرهم وإسماعيل فهي قصص متأثرة بتراث ديني والتأكد منها من ناحية الآثار يكاد يكون مستحيلا خاصة أن معظم الأبحاث الأثرية لا يثبت وجود هذه الشخصيات وإن وجدت فإنها قد لا تكون بنفس الصورة التي صورتها النصوص الدينية [52] ورد اسم قحطان (الجد الأكبر للقبائل اليمنية وسبأ وحمير وكل هذه الممالك حسب معظم النسابة وكتب الإخباريين) ولكن في كتابات مسندية متأخرة للغاية عن القرن الثاني عشر أو التاسع قبل الميلاد ولم تكن بالصورة التي صورها الإخباريون، فذكر سبأ وحضرموت ومعين وحمير وقتبان أقدم من ذكر قحطان بمراحل وورد اسم قحطن كأرض وليس جدا ولا حتى جزء من ميثولوجيا دينية قديمة[53]، فقد ذكر قحطن كاسم أرض لملك كندة[54]، وقد تظهر الأيام والاكتشافات السر وراء أسطورة قحطان هذا، فرغم أن عدد النقوش والآثار المكتشفة يتجاوز العشرة الآف نقش إلا أن الباحثين يعتقدون أن ما تحت الأنقاض يتجاوز ذلك وإن لم يكن البحث عن قحطان هو هدف الأركيولوجيين الرئيسي من عمليات التنقيب التي لا زالت في بداياتها.[55]

التاريخ[عدل]

وجدت شواهد لقبور ميغاليث تعود إلى العصر الحجري القديم ولا زالت الدراسات بشأن تاريخ اليمن القديم في بداياتها فكثير من الأمور لا زالت غامضة وغير واضحة. بدأت تظهر علامات على تحضر في أواسط الألفية الثانية قبل الميلاد في منطقة صبر تحديدا تعود إلى العصر البرونزي وتسبق الممالك الخمس المعروفة. حيث وجدت أطلال لمدينة قديمة ولها أسواق ومباني صغيرة وحفر تقود إلى مخابئ لتخزين الأمتعة الثمينة ولا زالت الأبحاث جارية حول هذه الحضارة الصغيرة من قبل مختصين ألمان [56] لم تجر أبحاث حول الحضارات الأصلية التي إنبثقت عنها الممالك اليمنية الأربع.
كتابة سبئية من العصر الوسيط، من كتابات كهذه أخذ الباحثون معرفتهم بتاريخ اليمن القديم
في الفترة ما بين 1300 - 1000 قبل الميلاد نشأت مملكة سبأ وكانت إتحادا اتحاد ضم عدداً كبيراً من القبائل ويُعرف انتماء القبيلة في نصوص خط المسند بعبارات دلالية من قبيل "ولد إل مقه" (أبناء الإله إلمقه) أو "ولد عم " (أبناء الإله عم) و"سبأ وأشعبهمو" (سبأ وقبائلهم) وماشابهها من عبارات ساعدت الباحثين في تحديد انتماءات وأصول القبائل[57][58][59]استطاع عدد من المكاربة من تشييد عدد من السدود الصغيرة لحفظ المياه والاستفادة من مياه الأمطار لري الأراضي واكتشف عدد من الرسومات الفنية والنقوش المصورة لحيوانات في الغالب تعود إلى هذه الفترة ونقوش تشير إلى بناء وتشييد لمعابد، معبد اوام تحديدا وذلك في القرن الثامن قبل الميلاد [60] استطاع اليمنيون تكوين علاقات تجارية مع الهندوالآشوريين واشتهروا بكونهم تجار عطور وطيب وبخور وذهب وفضة وبهارات وكلها عناصر مهمة للعالم القديم مما زاد من ثراء اليمنيين ومكنهم من بناء السدود مما حدا بالكهنة أو المكاربة تغيير ألقابهم إلى ملوك في فترات لاحقة. وتغيير الألقاب الملكية وإضفاء هالة من الفخامة عليها كان منتشرا بكثرة وتبدل اللقب ودخل أطوارا عديدة حسب أهواء الملوك والحكام [61] ورد في نص آشوري للملك سرجون الثاني تلقيه هدية من مكرب سبئي يدعى يثع أمر ووجد اسم المكرب في نقوش يمنية [62] ووجدت كتابة أخرى للملك سنحاريب وتشير إلى تلقيه هدية من مكرب يدعى كرب إيل أو كرب إيلو حسب اللفظ الآشوري [63] ويستبعد أن نفوذ الآشوريين وصل إلى اليمن وهدف إرسال الهدية كان مجرد تعبير عن الصداقة التي تجمع سبأ وآشور لارتباطات تجارية قديمة بينهما ومن باب التلطف للآشوريين إذ كان للسبئيين تجارة في أسواق العراق [64] ويعود تاريخ الكتابة إلى 715 ق.م [65]ولم يورد الآشوريين اسمه كاملا في النص مكتفين بكرب إيل واسمه الكامل كرب إيل بين. لقبه الآشوريين بملك وهي دلالة على عدم معرفتهم بألقاب حكام العربية الجنوبية في تلك الفترة [66] وقام عدد من المكاربة مثل ذمر علي بإنشاء عدد من السدود مثل سد رحبم وعملوا على إيصال المياه إلى مناطق عديدة في اليمن ثم المكرب يثع أمر بين الذي قام بتعلية سد رحبم وتقوية دعائمه فزاد مساحة الأراضي الزراعية وإزداد ثراء المزارعين في هذه الفترة وبالذات في مأرب التي أصبحت تناقف صرواح عاصمة سبأ في تلك الفترة حوالي القرن الثامن ق.م [67] يظهر في هذه الفترة نقوش عن عدد من الحروب والإنتصارات لسبأ على معين وقتبان ونجران وكعادة النقوش فإنها لا تبدي أسبابا للإقتتال وتكتفي بذكر الموقع واسم الملك وعدد القتلى من الجانب المهزوم. وكان عدد القتلى في نجران هو الأعلى خلال حملة المكرب يثع أمر بين هذه إذ ورد في النص أن خمسة وأربعين ألف شخص قتلوا خلال إحراقه لمدنها وقراها [68]
تمثال "يصدقئيل فرع" أحد ملوك مملكة أوسان(الأوس) وهو من التماثيل والآثار القليلة لتلك المملكة
في بدايات القرن السابع قبل الميلاد غير المكرب كرب إيل وتر لقبه من "مكرب سبأ" إلى ملك سبأ [69] يعتقد أن ملك مملكة أوسان بدأ بالهجوم واستطاع السيطرة على ممالك صغيرة تابعة لمملكة حضرموت وقتبان. توجه كرب إيل وتر إلى المناطق الساحلية الجنوبية الغربية لليمن للسيطرة على الممالك التي استولت عليها أوسان متجنبا صداما مباشرا مع الملك. واستطاع إخضاع هذه الممالك وبلغ عدد القتلى 3000 وأسر 8000، عندها تحالفت حضرموت وقتبان مع سبأ ضد مملكة أوسان واستطاع هذا التحالف قمع مملكة أوسان ومنعها من أي محاولة للاستفراد بالطريق التجارية وخضعت أوسان وأراضيها لسبأ دون حضرموت وقتبان [70] وترجمة أوسان أو "أوسن" كما وردت في نصوص المسند هي الأوس لإن النون في آخر الأعلام هي أداة التعريف بلغة العرب الجنوبيين القديمة [71] كانت سبأ قد بلغت أوجها حتى أواخر القرن الثاني أو بدايات الأول ق.م [72]
كان كربئيل وتر ملكا محاربا وقاسيا دأب على إحراق كل من يبدو فيه تهديدا لسلطة سبأ وكبدت حملاته العسكرية خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات والزرع وإن قام بأعمال إصلاحية مدونة في النقوش. دون هذا الملك كتابة طويلة يحكي فيها إنجازاته متفاخرا عرفت الكتابة عند المتشرقين باسم "كتابة صرواح" استبق فيها الملك إنجازاته كاتبا [73] :
   
تاريخ اليمن القديم
هذا ما أمر بتسطيره كربئيل وتر بن ذمار علي مكرب سبأ عندما صار ملكًا، وذلك لإلهه المقه ولشعبه شعب سبأ
   
تاريخ اليمن القديم
تولى ابن كربئيل وتر الحكم وأبنائه من بعده وهيمنت سبأ على جنوب الجزيرة العربية وبقي الملك في سلالة هذا الملك أمداً طويلاً من القرن السابع ق.م وحتى القرن الثالث ق.م إثر انقلاب قام به الملك وهبئيل يحز [74] ووردت عدة نصوص في نفس الفترة عن تأديب قوات من حاشد لبدو تطاولوا على أربابهم ملوك سبأ كما يُقرأ من النص وتم استرداد أموال سلبها هولاء البدو وأُخذوا إلى معبد المقه بمأرب لينظر المعبد مصيرهم [75]
وشهد القرن السابع والسادس بالإضافة إلى الحروب والتحالفات، إصلاحات وتشييد لأبراج وقلاع وحصون وتحسين نظام الري وبناء عدد من السدود وإيصالها ببعضها البعض. وأستخدمت الأحجار الكريمة مثل البلق لبناء الأبراج (محفد) في تلك الفترة [76] كان اليمانيون يمولون ممالك تابعة لهم لحماية الطريق التجارية من غزوات الأعراب على القوافل. فكانت مملكة كندة القديمة التي تعاقب على دعمها أكثر من ملك في صنعاء ومأرب من يوفر الأمان للقوافل التجارية الخارجة من اليمن إلى العراق وفارس وكانت مملكة ديدان تقوم بنفس الوظيفة ولكن للقوافل المتجهة نحو الشام ومصر ودول البحر الأبيض المتوسط وغيرها من الممالك المنتشرة على طول الطريق التجارية[77] لم تكن علاقة هذه الممالك في الصحراء جيدة دائما مع ممالك اليمن، فتظهر عدد من النصوص عن استغلال سلطتهم على الأعراب لشن هجمات على قوافل خارجة من اليمن أو عائدة إليه على حسب الظروف والمصالح [78]

التمرد القتباني (330 ق.م - 100 ق.م)[عدل]

أحد المنحوتات القديمة لمملكة قتبان
مملكة قتبان هي أحد أقدم الممالك اليمنية ونظام حكمها بدأ مشابها لسبأ إلا أن المعلومات المتوفرة عنها قليلة وهناك اعتقاد أن الحميريين ورثة هذه المملكة القديمة [79] لم يعرف المؤرخون بعد الإسلام شيئا كثيرا عن قتبان وكعادتهم جعلوه شخصا وساقوا له نسبا ينتهي إلى العرنج والعرنج هذا هو اسم حمير الحقيقي على حد زعمهم [80]منازلهم كانت جنوب مواطن السبئيين وفي الأقسام الغربية المطلة على السواحل في اليمن حتى باب المندب. المشكلة التي تواجه الباحثين في تحديد طبيعة المملكة القتبانية هو أن أغلب الكتابات والنقوش غير مؤرخة عكس أبنائهم الحميريين أو أنها مؤرخة بطرق لم يستطع الباحثين فهمها. استطاعت قتبان في القرن الرابع ق.م من الاستقلال عن السبئيين وهزموا ملك سبأ "يثع أمر وتر الثالث" وسيطروا على طريق البخور وأصبحوا القوة الأكثر نفوذا بين الممالك الأربعة [81][82] وكتابات قتبان عن القوانين أكثر بالقياس من تلك السبئية وقد وردت نصوص تتحدث عن أعمال تمهيد لطرق في الجبال منها نص يتحدث عن مشاركة كل ولد عم أي كل أبناء الإله عم ودهس (يافع) و"هكحد" وأردف هذه الأسماء بجملة وكل يمن وشامن أي كل الجنوب والشمال ساهموا في إنجاز هذا المشروع وكان المهندس المشرف على هذا العمل رجل قتباني يدعى " أوس بن يصرع " [83] وكان هدف هذه المشاريع التي أستعمل فيها الأسفلت هو تمهيد الطريق للجنود وغيرها من الأعمال والقوانين التي سنها القتبانيون خلال فترة نفوذهم على الممالك الأخرى التي تعكس وجود فن هندسي متقدم عند العرب الجنوبيين [84]

العصر الذهبي لمَعْيَّن (330 ق.م - 100 ق.م)[عدل]

أسوار مدينة براقش عاصمة مملكة معين
لم يعرف عنها المؤرخون والنسابة بعد الإسلام شيئا يذكر إلا أنها ذكرت في كتابات اليونان وذكر سترابو أن اسم عاصمتهم "قرنا" (قرناو) وأن الحضارم يحدونهم من الشرق والسبئيين والقتبانيين من الجنوب وهي كلها تشير إلى محافظة الجوف حاليا وقد وصف سترابو هذه الممالك بالبلدان وأن عليها ملكا وبها معابد وبيوت تشبه تلك عند المصريين [85] وجاء في كتابة بالجيزة تعود لأيام بطليموس الثاني عن وجود معيني في تلك المنطقة وكان وجوداً تجارياً إذ كانوا يزودون المعابد المصرية بالبخور [86]
اكتشف المسشرق جوزيف هاليفي كتابات كثيرة تتجاوز الألفين كتابة من تجوله كيهودي متسول في عاصمتهم القديمة "قرناو" [87] وقد عثر على كتابات للمعينين فيمنطقة الجوف السعودية (ليست محافظة الجوف اليمنية) وكتابات في الجيزة ويعتقد عدد من الباحثين أنهم المقصودين بلفظة "معينيم" في التوراة [88] وليس هناك اتفاق بين الباحثين حول منشئها وسقوطها فباحثي المدرسة الألمانية القديمة يرون أنهم أصبحوا بدواً وأعراباً في القرن الأول ق.م الميلاد مستشهدين بنصوص سبئية تشير إلى إنتصارات عليهم إلا أن كتابات اليونان في القرن الثاني للميلاد والتي تشير إلى المعينيين بأنهم "شعب عظيم" تعارض ذلك وتظهر أنهم بقوا على الحضارة فترة طويلة [89]يُعتقد أن أول ملك لمعين هو "إيل فع يثع " خلفه ملك هو "أبو كرب يشع" وعثر على اسمه في العلا في كتابة دونها رجل يدعى "أوس بن حيو" وكان أوس هذا كبير المنطقة حينها [90] وورود هذه الأسماء في منطقتي الجوف والعلا وفي توقيت واحد هي السبب وراء إيمان الباحثين أن مملكة ديدان والحجر كانت تابعة لملوك مملكة معين[91] وهذه ال"يثع" و"يشع" و"وتر" التي تعقب أسماء الملوك العرب الجنوبيين هي ألقاب حقيقة وليست جزء ا من أسماء ولادتهم فكلمة "وتر" تعني "المتكبر" أو "المتعالي" وكلمة "يثع" تعني المنقذ وكلمة "بين" تعني الظاهر [92] ويقول جواد علي أن مملكة لحيان كانت مملكة تابعة لمعين واستقلت عقب ضعفهم في اليمن [93] كان ملوك معين يعينون حكاما على المناطق الخاضعة لهم خارج اليمن ويسمونهم كبراء واكتشف عدد من أسماء هولاء " الكبراء " في منطقة العلا مهمتهم توفير الأمن للقوافل وجمع الضرائب والأتاوات [94] وكان أكبر آلهتهم الإله ود بعد الإلهعثتر إلا أنه بقضاء السبئيين عليها استقلت العلا في القرن الأول ق.م على رأي بعض الباحثين [95]

مملكة حضرموت (330 ق.م - 275 م)[عدل]

صحن حضرمي في القرن الميلادي الثاني
ليس هناك إتفاق بين الباحثين عن مبدأ قيام هذه المملكة قبل سقوطها بيد السبئيين وأقدم رحلة إستكشافية كانت في موضع يقال له "الحريضة" بحضرموت حيث عثر المنقبون على آثار لمعبد الإله سين يعود للقرن السابع أو الخامس قبل الميلاد [96] حضرموت إسم قبيلة مثل سبأ وكان عليهم مكرب قائم بشؤونهم وأول كتابة حضرمية مكتشفة على رأي الباحثين هي كتابة الملك "يهرعش بن أبيشع" وتعود للقرن الخامس قبل الميلاد وتحكي بناء سور لحماية حضرموت من الحِميَّريين[97]
سياستهم كانت قريبة من سياسة الممالك الأخرى وهي السيطرة على الأراضي الخصبة وعقد تحالفات مع القبائل الجبلية وتلك المطلة على السواحل. بنى الحضارم ميناءخور روري القديم المتواجد في ظفار ضمن سلطنة عمان حاليا[98] اكتشف نص يعود للعام 200 بعد الميلاد يشير إلى ثائر إسمه "يدعئيل بن رب شمس" خرج على السبئيين في شبوة وجمع جمع قبائل خولان وبنو كلب وقبيلة يام وأنتصروا إلا أن السبئيين أحرقوا المدينة بالكامل قبل إنسحابهم [99] وهذا النص هو أقدم النصوص الذي يشير إلى قبيلة يام وبنو كلب ولم تذكر نصوص المسند الياميين من قبائل همدان كما هو وارد في كتب النسابة وأهل الأخبار بل يظهر أنهم من قبائل مملكة حضرموت[100] واقعة إنتصار "يدعئيل بن رب شمس" هذا كانت خلال الحرب الأهلية بين "ذي ريدان" (حِميَّروسبأ وكان الحضارم طرفا فيها فلم يحتفل "يدعئيل بن رب شمس" بنشوة النصر طويلا حتى سقطت حضرموت بيد شمر يهرعش مؤسس مملكة حمير[101]

السيطرة الحميرية[عدل]

كان الحِميّريون مملكة صغيرة تابعة لقتبان في غالب عصور ماقبل الميلاد. يظهر أن الحميريين عقدوا تحالفات مع عدد من القبائل منها قبيلة "ذياب" وأستطاعوا السيطرة على عدد من الممالك الصغيرة في القرن الثاني قبل الميلاد ودخلوامأرب أول مرة بعد غزوة أيليوس غالوس وسموا أنفسهم ملوك "سبأ وذي ريدان" إلا أن السبئيين استعادوا عرشهم وأبقوا على اللقب الملكي رغم أنهم لا يسيطرون على حمير حقيقة [102] غزا الحميريين مأرب للمرة الثانية في العام مائة بعد الميلاد وأستطاعوا إسقاط سبأ وتربعوا على العرش لمدة أربعين سنة حتى استعاد العرش أسر من حاشد على مقاليد الحكم في سبأ وطردوا الحميريين من مأرب [103]
لكن خروج الأمور ونشوب الحرب الأهلية بدأ فعلياً عقب تآلب حضرموت وسبأ على مملكة قتبان وإحراقهم لعاصمتهم تمنع وجبل العود في أوائل القرن الأول ق.م وانقلاب "يريم أيمن" زعيم قبيلة همدان على الأسرة السبئية الحاكمة وكان الملك من قبيلة حاشد [104] وأُستعبدت الأسرة السبئية الحاكمة إذ وصفهم الحاشدي بأنهم عبيده [105] كانت تلك بادرة استقلال القبائل اليمانية وتحزبها إلى حزبين قبيلة همدان المنقلبة على الحكام الشرعيين، والحِميّريين الذين أرادوا الانتقام من الهجوم على مملكة قتبان[106] ودخلت البلاد حرباً أهلية طويلة ولكن متقطعة تشوبها فترات سلم وانضمت قبيلتا كندة ومذحج لحِميَّر ضد قبيلة همدان وأحلافهم [107] وانتزعت أسرة من بكيل الملك من حاشد في النصف الثاني من القرن الأول ق.م وأبرز أقيالهم "إيلي شرح يحضب" وهو الذي بنى قصر غمدان وكثر ذكر مدينة "صنعو" (صنعاء) كثيراً في هذه الفترة كون النصوص مدونة من أشخاص ينتمون لقبائل همدان حاشد وبكيل [108]
انتهت الحرب الأهلية بإنتصار حاسم للحميريين بقيادة شمر يهرعش الثالث وكان على رأس السلطة في سبأ ملك يدعى رب شمس وعلى حضرموت رجل يدعى "شرحئيل" [103] يعتقد أن شمر يهرعش استطاع إسقاط حضرموت في نفس العام إلا أن رأيا آخر يقول أن سقوط حضرموت كان عام 300 بعد الميلاد [109] وشهد عهد شمر عدة ثورات من أشراف وأسر سبئية بل من قبائل حميرية أخرى استطاع قمعها [110][111] وتوسع شمر يهرعش فضم تهامة وعسير [109] وأرسل ضباطا كان بعضهم من خولان لنجران حتى تلقب شمر بلقب "ملك سبأ وذو ريدن وحضرموت ويمنت" أي ملك سبأ وحمير وحضرموت واليمن فيكون حسب المتقدم من الاكتشافات والنقوش أول من قام بتوحيد ممالك اليمن القديم وإخضاعها تحت حكم مملكة واحدة ولا توجد دلائل أنه أبقى على بعض الأقيال لتحكم أراضيها ذاتيا كما كان يفعل المكاربة والملوك في عصور مضت قبله [109] قام الحميريين بترميم سد مأرب وأنهوا النزاعات وأخضعوا القبائل من جديد فنعمت اليمن بعصر من الاستقرار مكن الحميريين من مواصلة سياسة أسلافهم فقاموا ببناء القلاع والحصون وإمداد المرتفعات بالمياه. ورد نص يشير إلى "كهلن" (كهلان) دونه رجلان من هذا القسم معبرين فيه عن شكرهم للمقه لإنه رفع مكانتهم عند سيدهم شمر يهرعش [112] ولا يبدو أنهم حميريين بل كانوا ممن أخضعهم شمر يهرعش هذا وفي النص دلالة على استتاب الأمور أخيرا بعد قرن ويزيد من الصراعات والنزاعات مع القبائل. يعتقد أن اسم "شمر" الوارد في نقش النمارة لصاحبه امرؤ القيس بن عمرو ملك مملكة الحيرة يشير إلى شمر يهرعش. فقد توغل ملك المناذرة هذا من أطراف العراق إلى نجد حتى وصل إلى نجران التي سماها صاحب النقش "مدينة شمر" وهي دلالة أن الملك الحميري لم يكن قد تجاوز نجران في هذه الفترة. وانتصر إمرؤ القيس ملك المناذرة [110]
شكل المناذرة خطرا على الحميريين وورد في النص المنذري أن قبيلة مذحج "هربت" ويبدو أن المناذرة استطاعوا هزيمة كندة كذلك وهو سبب وجودهم في جيش الحميريين الذي إسترد كل المواقع التي غزاها إمرؤ القيس بن عمرو هذا بل ضم مناطق لا يعتقد أنها كانت خاضعة لكندة قبل غزو "شمر يهرعش" وهي البحرينوالقطيف والإحساء [113] لم يكن للحميريين ليغزوها لو لم تكن علاقتهم قوية بملوك كندة التي تشير إليهم النصوص ب"كندت" و"آل ثور" الذين كانوا يتواجدون في قرية الفاو والأفلاج في نجد [113] وكانت كندة ومذحج تذكر بأعراب سبأ وكانوا من "ركبم" و"أفرسم" والركبان هم من يقاتل على ظهور الجمال والفارس هو من يقاتل على ظهور الجياد وأستطاع هولاء الفرسان والركبان من مذحج وكندة إخماد تمرد قام في حضرموت كلف الحضارم خسائر فادحة [114] وهذه النصوص دلالة على توافق تام بين الحميريين وكندة. وتذكر كتب أهل الأخبار أن علاقة كندة بالمناذرة كانت علاقة شد وجذب فيظهر تزاوج وإنسجام تارة وإقتتال وخصومة في تارة أخرى وتعلق كندة بالحميريين كان له أثر سئ عليها. فعلاقة المناذرة كانت جيدة مع الفرس ولم تستطع كندة الصمود أمام المناذرة بعد سقوط الحميريين عام 525 - 527 ميلادية.
جزء من تابوت عليه رسومات لأبو هول وأحد النقوش أعلى الرسم يشير إلى "عميانس" أحد آلهة خولان
يعتقد أن شمر يهرعش توفي عام 330 للميلاد [103] وورد اسم "شمر يهرعش" لثلاثة ملوك حميريين هناك إجماع أن شمر يهرعش الثالث حكم مع والده "ياسر يهنعم الثاني" ثم إنفرد بالحكم بعد موت والده. وشمر يهرعش وياسر يهنعم هم "شمر يرعش" و"ناشر النعم" في كتابات أهل الأخبار الذين "عربوا" أسمائهم واختلقوا الأساطير وراء هذه التسميات بل جعلوه معاصرا للملك سليمان وحاكما بعد بلقيس التي جعلوها حميرية [115][116][117] هذه الأخبار الموضوعة تثبت أن الإخباريين واليمنيين منهم تحديدا كانوا على علم بماضي أجدادهم ولكنهم لم يستطيعوا قراءة رموز خط المسند واعتمدوا على قصص كبار السن المتوارثة والذاكرة الشعبية لتدوين هذا التاريخ وبالتأكيد أضافوا إضافات من عندهم نتيجة التعصب والتحزب القبلي. خاض شمر حروبا في عسير ووادي بيشة ووادي ضمد وأنزل خسائر بتلك القبائل التي كانت متعاونة مع الأحباش الذين استغلوا حالة اقتتال حمير مع سبأ لينزلوا أرض الجزيرة العربية. فتذكر النصوص أن ضابطا من خولان أرسل إلى هذه المناطق وتعقب من حاول الهرب عبر البحر الأحمر [118] وإحدى هذه القبائل قبائل عك الأزدية المعروفة [109] وسبي حوالي 2400 شخص وبيعوا في أسواق العبيد في مأرب في نص دونه ضابط منخولان يشكر فيه إلهه المقه أن مكنه من قطع رؤوس المتمردين وشفائه من جروح أصابت ساقه في هذه الحملة ولإنه "شوعن" (وتعني عاون بلغة الحميريين) سيده شمر يهرعش وختم النص بأن سأل الإله المقه أن يمن عليه بذرية ويرعاه ويحفظه في بقية الحروب التي سيقودها لأجل حمير [119]
نقوش بخط المسند في "مأسل الجمح" في محافظة الدوادمي تحكي إنتصارا حققه "أب كرب أسعد" أو أسعد الكامل على المناذرة وذكر معه أقيال مأرب وكندة و"علة" ومن أسموهم "صغار الناس"
مجسم حجري لملك حميري على جدران معبد في ظفار يريم التي أصبحت عاصمة لليمن بعد مأرب إثر سيطرة الحميريين
تولى الحكم بعد شمر عدد من الملوك واختلف الباحثون في ترتيبهم إلى أن ظهر ملك حميري يدعى "أب كرب أسعد" وهو أسعد الكامل في كتب الإخباريين الذين أضافوا في سيرته الشي الكثير. وبغض النظر عن صحة ماأضافوه إلا أن ورود اسمه عندهم رغم الفترة الزمنية الكبيرة بين عصره وعصرهم دليل على أهمية هذا الملك [120]وورد في مسند الإمام أبي حنيفة النعمان أنه أول من ضرب الدينار [121] تولى الحكم عام 378 ميلادية [122] وهو الذي أضاف لقب عبارة "أعربهم طودم وتهامة" أي "أعرابهم في المرتفعات والتهائم" فأصبح اللقب الملكي عند الحميريين " ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت وأعربهم طودم وتهامة" [123] وعثر على اسمه مدونا بخط المسند في موضع يقال له "مأسل الجمح" وهو في محافظة الدوادمي السعودية [124][125] اسمه موجود في حصن "مأسل الجمح" في المحافظة المذكورة أنفا وإضافة اسم الأعراب كان لشعور هذا الملك الحميري بأهميتهم وبالذات بني كندة الوارد اسمهم بجانب اسمه وقد بني الحصن ليكون موقعا لقوات حميرية تحمي القوافل الخارجة من اليمن والعائدة إليه وهو موقع مهم يصل اليمن بنجد وشرق الجزيرة العربية [126] ونص النقش يقول : أبكرب أسعد وبنهو حسن يهأمن ملكي سبأ وذي ريدن وحضرموت ويمنت وأعربهمو طودم وتهمت بن حسن ملك كرب يهامن ملك سبا وذي ريدن وحضرموت ويمنت. وترجمته :" أب أكرب أسعد وإبنه حسان يهأمن ملكا سبأ وذي ريدان وحضرموت واليمن وأعرابهم في المرتفات والتهائهم إبنا حسان ملك كرب يهأمن ملك سبأ وذي ريدان وحضرموت واليمن" وفي النص دلالة أن "أسعد الكامل" كان يحكم مناصفة هو وأخيه ابنا ملك سبأ حسان ملك كرب يهأمن وأشير إلى أنهما غزا هذه الأرض بجمع من مأرب وحضرموت و"مقتوى" (ضباط) وجمع من صغار الناس من قبيلتي علة من مذحج وسود وهي من نهد [123][127] وعاش هذا الملك فترة طويلة فهو تولى الحكم قرابة 378 للميلاد إلى جانب والده حينها ويبدو أنه كان لايزال شابا يافعا وتوفي عام 430 ميلادية أو بعدها بقليل فتكون مدة حكمه قرابة الخمسين عاما. وكان ملكا قويا ولذلك كثر ذكره ولم تنساه الذاكرة العربية فقد ذكر الطبري أنه نزل الأنبارووصل الصين وهي مبالغة بلا شك ولكنها انعكاس للأثر الذي تركه ذلك الملك [128] وقالوا أنه من أوصى القبيلة الخرافية المدعوة جرهم ولاية الكعبة والاهتمام بها [129]وكل هذه الموضوعات هي للإيحاء بأن مكة ومقدسات قريش كانت مقدسة عند الحميريين كذلك.
توفي أبو كرب أسعد أو أسعد الكامل وتولى الحكم بعده ملوك اختلف الباحثون في ترتيبهم وذكرهم بعض أهل الأخبار. وصل إلى الحكم ملك حميري يدعى "شرحب إيليعفر" (شرحبيل يعفر) وورد نص في عهده يشير إلى تصدع كبير أصاب سد مأرب مما جعل الملك يستعين بعشرين ألف عامل لقص الأحجار من الجبال وبناء أبواب ومنافذ جديدة لخروج الماء وصرف معاشات للعمال الذين قاموا بهذا الفعل في شهر "ذو ثبتن" من عام 525 في التقويم الحميري الموافقة لعام 450 ميلادية [130] وكان لذلك أثر سئ على كثير من القبائل التي تركت مواطنها خوفا من الموت [131] وللأسف لم يخبر النص عن أسماء هذه القبائل وفيه دليل على وجود أصل تأريخي للروايات العديدة التي يرويها الأخباريون عن تهدم سد مأرب وتفرق سبأ ولكن لايمكن الاعتماد على الكتابات كليا لما يشوبها من الخرافة والأساطير وإن كان بعضها مشوبا بقليل من الحقيقة على رأي إدورد جلازر [132] ورد اسم ملك يدعى "عبد كلل" ولا شك أنه "عبد كلال" الموجود في كتابات الإخباريين ولايعرف أكان ملكا بالفعل أم زعيم قبيلة ثارت على الحميريين وكان مسيحيا وعكس كتابات الإخباريين التي جعلت مدة حكمه تزيد عن الستين سنة فحكمه أو تمرده لم يزد على خمس سنين على رأي فلبي [133]ويبدو أن المستشرق جون فيلبي أو عبدلله كما سمى نفسه كان يحاول الربط بين روايات الإخباريين و"عبد كلال" هذا فلايوجد نص صريح يشير إلى أنه كان مسيحيا أو "على دين عيسى" كما يروق لأهل الأخبار توصيف مسيحيي اليمن [129] ولايمكن الأخذ برواياتهم عن كونه ثائر ومضطهد لكونه مسيحي بسبب وجود المسيحية في اليمن آنذاك ولفظة "كرشتس" ابن الرحمن اليماني كانت تزين أسماء الملوك في هذه الفترة [134] وورود اسم المسيح كإبن[بحاجة لمصدر] تفنيد لروايات أهل الأخبار أن المسيحيين في اليمن كانوا موحدين متبعين لمذهب التوحيد في الإسلام ولم يكونوا على مايعتبرونه هم "دين عيسى".
استمر حكم الحميريين بشكل مطلق وتعاقب على الملك ملوك مثل "شرحبيل يكف" و"مرثد ألن" و"معد يكرب يعفر" وهناك اختلافات بين الباحثين في ترتيبهم وأعدادهم إلى أن الإجماع أن سقوط حمير كان في عهد الملك اليهودي الذي كلفت حملاته الكثير من الأرواح، الملك يوسف آزار أو ذو النواس الحميري كما عرف في كتب التراث والتاريخ العربية عام 525 ميلادية.

ذو النواس الحِميَّري ومحرقة المسيحيين[عدل]

كانت اليمن في أيام الحميريين تجمع الكثير من الديانات منهم من بقي على الوثنية وكان للمسيحيين وجود وكانوا ملوكا على حمير بلإضافة لوجود يهودي قوي فاليهود إن لم يكونوا ملوكا فإن بعض الأشراف وأقيال القبائل كان يهوديا بلا شك. مثل النص الذي دونه شخص يدعى "شِهر" :"تبرك سم رحمن ذو سمين ويسرائيل وإلهمو رب يهود ذي حرض بدهمو شهرم" وترجمة النص :" تبارك اسم رحمن صاحب السماء إله إسرائيل رب يهود الذي ساعد عبده شِهر" [136]
وورد نص يشير إلى استقلال القبائل نماء روح العصبية والتحزب القبلي التي لاتعرف مصلحة سوى مصلحة القبيلة. فورد عن حروب بين كندة ومذحج وأرحب و"ثعلبن" (وقد تكون ثعلبن هذه هي المقصود بها دوس ثعلبان الواردة في كتب الإخباريين [137]ومضر [138] في عهد ملك يدعى "معد يكرب يعفر" [139] يرجع الباحثون تاريخ النص المسندي إلى سنة 516 للميلاد [140] ذكر أهل الأخبار أن ملكا يدعى "لخيعة ينوف ذو شناتر" كان قبل ذو نواس ولم تكتشف كتابة بخط المسند تشير إلى ذلك ولا إلى "ذو نواس" بهذا الاسم. فقد ورد اسمه بصيغة "يوسف أسأر" أو "يوسف آزار" [141] لاتوجد إنجازات في عهد يوسف وكل الوارد عنه تحامله على المسيحيين فقد كان ملكا محاربا وقاسيا ولم يبدي شفقة أو تساهل اتجاه أعداء حِميّر. بل أورد السريان قصة أنه أرسل وفدا إلى الحيرة يطلب من ملكها الإقتداء به وقتله المسيحيين في العراق كون المناذرة حلفاء للفرس الذين كانت لهم علاقات جيدة بالحميريين وعداوة وإقتتال مع الرومان [142] وهناك اعتقاد أن الرسالة ملفقة وتعكس أحقاداً مسيحية على اليهود [143]
ورد اسم يوسف بدون لقب ملكي طويل مكتفيا بلقب "ملك يوسف أسأر" فقد كان أقيال القبائل ينافسونه السلطان واستغل الأكسوميين هذا الوضع وأعلنوا دعمهم للمسيحيين في نجران وشن يوسف أسأر حملات على مراكز المسيحيين واستطاع أن يجمع جمعا من القبائل كانت فروعاً من كل من خولان وكندة ومذحج وهمدان وبضعة بيوت وأقيال من حمير وتحديدا من بيت "ذو يزأن" ومنهم الملك شبه الأسطوري سيف بن ذي يزن بلا شك [144]
رسم أرثوذكسي لأسقف نجران الذي قتله ذو نواس عام 524 [145]
ترأس زعماء بيوت حميرية رؤوس جيش ذو نواس ذكرت أسماء بعض منهم [146][147] :
  • "شرح إيل ذو يزأن" (شراحيل ذو يزأن) ممايعني أنه كان قيلا على بيت ذو يزن الحميري.
  • "شرحب إيل (شرحبيل) يكمل"
  • شرح إيل (شراحيل) يقبل
  • شرحب إيل (شرحبيل) يكمل
  • شرحبيل أسعد
  • معاوية بن والعة
  • نعمة بن مالك
  • تميم يزيد رئيس بيت "لحيعة ذي جدن"
شنت القَبائل الموالية ليوسف حملات على القبائل والأقيال المسيحيين المناوئين له والمعاونين للأحباش في مشهد يوضح مدى تردي الأوضاع في اليمن وتنامي روح القبيلة التي لاتعرف إلا مصلحتها ولو على حساب استقلال وطنها من عنصر أجنبي غريب. حاول يوسف الحفاظ على استقلالية بلاده ووحدة قبائله وبلغ ذلك منه أنزل والقبائل التي تبعته خسائر ومجازر بالمسيحيين والأحباش في ظفار يريم حيث قتل ما يقارب ثلاثة عشر ألف منهم وهدم "قلسن" وكلمة قلسن أو القليس تعني كنيسة بلسان الحميريين وسحق قبائل الأشاعرة المعاونة للأحباش ثم توجه إلى نجران وقتل هناك ما يقارب إحدى عشر ألف قتيل وهدم الكنيسة المتواجدة هناك ولم يكتشف حتى اللحظة كتابة مسندية تشير إلى حريق باستثناء كتابات السريان والبيزنطة وهي كتابات وإن غلب عليها التعاطف مع المسيحيين إلا أنها تحكي مايدعم الوارد في نقوش عن قسوة يوسف أزار وأفعاله بحق المسيحيين [148][149] فقد ذكر شمعون الأرشمي أنه كتب الوقائع استنادا على روايات شهود عيان رأوا الحميريين يجمعون النساء والأطفال والرهبان في كنيسة نجران وأحرقوا الكنيسة بمن فيها [150] النصان المكتشفان اللذان يشيران ليوسف لم يشيرا إلى مجازر في مأرب وحضرموت. ذكر النص مجازر في ظفار يريم والمخا ونجران المصادر التي تشير إلى مجازر في مأرب وحضرموت هي مصادر سريانية وبيزنطية [151]
حصن مارية
وقد يكون للوارد في كتب أهل الأخبار صحة لورود اسم "دوس ثعلبن" في عداد القبائل المعادية لذو نواس وقد أورد أهل الأخبار أن رجلا منهم ذهب إلى ملك بيزنطة طلبا للنجدة [152] أمد الملك البيزنطي جستنيان الأول كما ورد في كتاب المؤرخ بروكوبيوس المسيحيين بأسطول دخل اليمن عن طريق ساحلها الغربي وقتل ذو نواس في المعارك عام 525 - 527 وبذلك وضع المؤرخون نهاية مملكة حمير [153][154] أصبحت المناطق الغربية لجنوب شبه الجزيرة العربية مملكة تابعة لروما وعليها حميري يدعى شميفع أشوع سمى نفسه ملك سبأ. بعد مقتل يوسف، استقرت الأمور في السواحل الجنوبية الغربية للجزيرة واستقل زعماء القبائل بإقطاعياتهم ومخالفيهم ولا بوادر أنهم خضعوا لشميفع أشوع أو أعترفوا به ملكاً عليهم وكان أشوع وأنصاره متحصنين في حصن مارية القديم بذمار. قام أحد زعماء القبائل المقربين من البيزنطة والمدعو "قيس" وكان كندياً من أقارب الحارث بن عمرو الكندي أو "آريثاس" كما ذكره البيزنطة بقتل أحد أقرباء شميفع أشوع ومع ذلك لم يثأر شميفع لقريبه وإنصاغ لشفاعة الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول بتعيين "قيس" أو "كايسوس" على قبيلة معد لحجم الدين الذي قدمه البيزنطة بتخليص مسيحيي جنوب الجزيرة العربية من يوسف أسأر الحِميّري [155] بالإضافة إلى حقيقة أن البيزنطيين أرادوا استغلال نفوذ حِميَّر على كندة والتي كانت هي بدورها مسيطرة على أجزاء واسعة من شبه الجزيرة لقتال الفرس [156] سقوط حِميّر أدى إلى استقلالية القبائل ولكن لم تكن القبائل مستفيدة فقد ضعفت مملكة كندة كثيراً وتأثرت بهذا السقوط [157]
ذكر المؤرخ البيزنطي بروكوبيوس أن عدداً من الجيش البيزنطي ـ الأكسومي :"آثر البقاء في أرض الحميريين لإنها جيدة جدا " على حد تعبيره ولم يريدوا مغادرة اليمن[158] أحد هولاء كان أبرهة الأشرم أو "أبراهموس" (إبراهيم) الذي قام بقتل شميفع أشوع وأعلن نفسه ملكاً "بسم كرشتس وروحن قدس" (بسم المسيح والروح القدس). مقتل شميفع قاد لتمرد معد في فتوجه بنفسه لأراضيهم وأخذ أبنائهم ونسائهم رهائن مقابل الولاء [159] وانتهزت قبائل أخرى مقتل شميفع لتعلن تمردها فقاد رجلان اسمهما "بشر بن حصن" و"أبو الجبر بن عمرو" حملة على مكان اسمه "تربة" قربالطائف وكان الرجلان من كندة [160][161] ودونت كتابة بخط المسند تذكر عدد القتلى والغنائم والأسرى والأطفال الذين أخذهم من سكان الطائف مقابل الولاء [162]
كانت القبائل منقسمة واستغل الأشرم الانقسام لصالحه وبالفعل فقد خرج زعيم من كندة يدعى "يزيد بن كبشت" في نصوص المسند (يزيد بن كبشة) ومعه ابن شميفع أشوع وأقيال من "مرثد بن بكل" (بكيل) و"ذو يزأن" (بيت ذو يزن) و"ذي معاهر" و"ذو خليل" لقتل أبرهة إلا أن أقيال حضرموت وهمدان و"ذو رعين" (يافع) و"أشعرن" (الأشاعرة) وعدد من القبائل قاتلوا سيد كندة ولاحظ الباحثون غياب أي ظواهر ولاء للوطن واستعداد القبائل للوقوف بصف الغريب طالما اقتضت المصالح [163] فالقبائل لا تعرف وطناً ولا قومية إلا قومية القبيلة وبقيت تلك المشكلة عالقة إلى اليوم حول مفهوم القبائل في اليمن للوطن ومدى قدرتهم على الإيمان بالجنس أو القومية الوطنية الجامعة فوق القبيلة [164]
استمر الإقتتال لفترة حتى وصل لأسماع المتقاتلين "أصوات البكاء" عن تصدع هو الثالث وقبل الأخير أصاب سد مأرب كما يقرأ من النص المسندي الذي يعود لعام 542 ميلادية [165] فتوصلوا لهدنة لإعادة ترميم السد وكان آخر ترميم يجرى عليه [166] نسبوا إلى أبرهة هذا قصة بعد الإسلام لم يرد عنها نص مدون بخط المسند ولا كتابات البيزنطيين ولا أي حضارة مجاورة عاصرت هذه الفترة وحاكوا حوله قصصا وأساطير كثيرة كعادتهم إزاء أي شخصية تاريخية أثرت عليهم [167] وقد وردت له قصة عن محاولته لهدم الكعبة في مكة ولكنها بائت بالفشل، ومعد التي ورد ذكرها وإن تحول إلى جد مزعوم في كتابات أهل الأخبار، هو حلف لقبائل عديدة يجمع شملها هذا الإسم [168]
لاتوجد كتابة تشير يشير إلى الحقبة الفارسية في اليمن فتاريخ البلاد يكاد يكون مجهولا خلال هذه الفترة سوى ماتوارد عن كتابات بيزنطية بسيطة عن عن سيطرة الفرس على عدن [169] وبضعة أساطير عربية دونت في العصر العباسي لا ترقى بإن تُسمى تاريخاً ولكنها تعطي لمحة عن هذا التاريخ. ودخل اليمن عصرا من الانحطاط قبيل الإسلام مما مكن مكة بأن تصبح مركزا تجاريا مهما بل ربما الأهم في الجزيرة العربية لبعدها عن مراكز الصراع [170] حكم الحميريين كاذواء فلا سلطة حقيقية تذكر لهم خلال هذه الفترة إلا على قبائلهم ويقول صاحب المفصل :" أستطيع أن أقول إن حكم الفرس كان حكمًا شكليًّا، مقتصرًا على بعض المواضع، أما الحكم الواقعي فكان للأقيال. ولا عبرة لما نقرأه في الموارد الإسلامية من استيلاء الفرس على اليمن، لأن هذه الموارد تناقض نفسها حين تذكر أسماء الأقيال الذين كانوا يحكمون مقاطعات واسعة في أيام حكم الفرس لليمن، وكان منهم من لقب نفسه بلقب ملك، وكان له القول والفعل في أرضه، ولا سلطان للعامل الفارسي عليه" وتمت المبالغة في تصوير حكم أكسوم وفارس لتصوير الإسلام على أنه جالب الحرية والاستقلال للعرب [من صاحب هذا الرأي؟] فكما يقرأ من التاريخ لمتناقض في كتابات أهل الأخبار، قبيلة واحدة من قبائل اليمن (مذحج) استطاعت طرد الفرس دون عناء بقيادة الأسود العنسي [171] استفرد أحد الساتراب بالحكم في العام 598 ميلادية ودخل أحد هولاء إلى الإسلام حتى طردهم الأسود العنسي وأعلن نفسه نبيا وملكا على اليمن وقتله مسلمون يمنيون وأحد بقايا الفرس المدعو فيروز الديلمي وفقا لمصادر متأخرة عن هذه الأحداث.

ممالك صغيرة[عدل]

كان النظام في العربية الجنوبية شبه فيدرالي إذ كانت القوة في يد أربع ممالك رئيسية (قبل حمير) وهي سبأ وحضرموت وقتبان ومعين ويندرج تحت هذه الممالك ممالك صغيرة يشار إليها بألفاظ تدل على تبعيتهم لإله المملكة الكبرى. من هذه الممالك مملكة سمعي وهي مملكة صغيرة وأساس وأصل قبائل همدان وكانت تحت اللواء السبئي طيلة وجودها. ومملكة هرم وإنابة ونشق ورعين والمعافر ونشأن وهي ليست ممالك مؤثرة بل صغيرة وإن جمع بعض من طقوسها التعبدية وآلهتها. وكان هناك ممالك أخرى أكبر من المذكورة آنفا وأكثر أهمية مثل ممالك كندة وديدان ونجران وأهمية هذه الممالك تكمن في تأمين الطريق التجارية وربط اليمن بالأسواق التجارية في العراق وفارس واليونان ومصر وروما وغيرها من المحطات التجارية المهمة.

مملكة أوسان[عدل]

عرفت هذه المملكة باسم "أوسن" وتواجدت جنوب مملكة قتبان دمرها كرب إيل وتر وبقيت مملكة صغيرة تابعة في غالب تاريخها وكانوا من أبناء الإله ود [172] وجدت الكثير من التماثيل المصنوعة من الذهب منقوش تحتها أسماء الملوك ولكن يظهر أنها تعرضت لكسر وقد يكون لحملة سبأ عليها سبب في ذلك إذ دمر السبئيون قصرهم الملكي وأمر كرب إيل وتر بإزالة كل النقوش وتدمير الكتابات عنها كما ورد في "كتابة صرواح" التي دونها هذا الملك في القرن السابع ق.م. ويبدو أنهم كانوا مملكة قوية في بداياتهم إذ جاء في كتابات اليونان أنهم كانوا يسيطرون على ساحل زنجبار في أفريقيا [173][174] ولم يكونوا ليتجاوزوا الساحل الغربي لليمن لشرق أفريقيا لو لم يكونوا مملكة قوية ولها سيطرة محكمة على مناطق واسعة من العربية الجنوبية. إلا أن أطماعها في التوسع انتهت بعد قضاء السبئيين عليها.

مملكة دمت[عدل]

بقايا معبد المقه في شمال إثيوبيا قرب أكسوم التي بناها السبئيين القادمين من اليمن في القرن الثامن ق.م وهو أقدم شاهد على حضارة قديمة في تلك البلاد
[175]
هي مملكة صغيرة قامت في شمال أثيوبيا في القرن الثامن ق.م والكتابات عنها قليلة للغاية ودونت بخط المسند وهي أقدم الممالك بشواهد أركيولوجية في أثيوبيا [176]لايعرف الكثير عن هذه المملكة وهناك اعتقاد أنها مملكة قامت من قبل السكان الأصليين لتلك المناطق بتأثير سبئي والبعض يعتقد أن مؤسسيها كانوا سبئيين قدموا من اليمن واختلطوا بسكان تلك المناطق وباختلاف الآراء إلا أن التأثير السبئي واضح [177] بالكاد يمكن الكتابة عنها وعن تاريخها أي شي. وليس من المعروف ماإذا كانت هذه المملكة مرحلة سابقة لمملكة أكسوم أم أنها إحدى الممالك الصغيرة التي سيطر عليها هولاء الأكسوميين فتاريخ إثيوبيا شبه مظلم قبل مملكة أكسوم التي قامت في القرن الأول للميلاد ولايوجد لها ذكر قبل ذلك [178] فالتاريخ الإثيوبي بدأ بقدوم السبئيين وإحتكاكهم بالكوشيين فهناك اعتقاد أن سكان المناطق الشمالية لإثيوبيا هم نتاج هذا التزاوج ويظهر اختلاف ملامح بعض المجموعات الإثنية وطباعها عن مناطق أخرى في أفريقيا وأثيوبيا جليا [179]

مملكة جبان[عدل]

هي مملكة تابعة لقتبان وصل ذكرها عند اليونانيين ويبدو أنهم كانوا أشراف وتجار كبار في المملكة القتبانية[180] إذ ذكر اليونان أنهم كانوا محتكرين لتجارة اللبان وتبعد مدينتهم "نجية" حوالي 148 ميل عن غزة [181]

مملكة نجران[عدل]

على الرغم من كثرة ذكر نجران في نصوص عربية جنوبية مختلفة فإن علم الباحثين عنها قليل للغاية. كانت مطمعا للسبئيين والحميريين وتعرضت للغزو والإحراق مرار من باب إخضاعها وهي دلالة على أهمية موقعها كمحطة للقوافل. وذكرها ملك المناذرة باسم "مدينة شمر" ويقصد شمر يهرعش [110] وورد في نص اتجاه قوات منها نحو "نباطو" (مملكة الأنباط) وانتهت بإنتصار هذه القوات [182] للأسف لايعرف الكثير عنها رغم كثرة ذكرها في نصوص سبئية وقد تقود الاكتشافات في منطقة نجرانلاكتشاف تاريخ هذه المنطقة وكل مايوجد في كتابات الإخباريين عنها أن قصة الأصحاب الأخدود وقعت بها وأن سكانها من المسيحيين خرجوا يريدون مباهلة النبي محمد في عام الوفود.

مملكة كندة[عدل]

جزء من لوحة جدارية ممزقة تظهر رجلا في أقصى اليسار مقلداً بالتاج في القرن الأول/الثاني بعد الميلاد قرية الفاو عاصمة مملكة كندة
لم يقم بني كندة مملكة في اليمن بل قامت في البداية في قرية الفاو وهناك نص يشير إلى وجودها في القرن الثاني ق.م وعرفت في كتب التراث العربي بلقب " كندة الملوك " [183][184] ويظهر أن أهل الأخبار كانوا على دراية بتسمية "آل ثور" المشيرة إليهم في نصوص المسند فصيروا "ثور" هذا جدا للقبيلة كلها والغالب أنهم أسرة أو فرع منهم لغياب التسمية (آل ثور) للقسم الموجود في اليمن [185] كانت مستعمرة سبئية جنوب نجد هدفها إقامة حاجز بين مملكة سبأ والبدو[186] بلغوا أوجهم أيام مملكة حميرفضموا البحرين والقطيف والإحساء وضعفوا كثيراً بعد مقتل الحارث بن عمرو الكندي فاضطروا لمحالفة بيزنطة وبقيت لهم مشيخة على دومة الجندل حتى آخر أيام النبي محمد [187]

مملكة هرم[عدل]

مملكة صغيرة نشأت في شمالي محافظة الجوف في مدينة "كمنهو" (كمنه حاليا) كنت تابعة لمملكة أوسان حتى غدت من أتباع سبأ بعد حملة كرب إيل وتر[188]

مملكة نشق[عدل]

مجسم لرجل في مملكة ديدان يعود إلى القرن الرابع ق.م ويبدو أنه محاكاة للفراعنة المصريين القريبين منهم [189]
مملكة صغيرة قامت في محافظة البيضاء حاليا وكانت تابعة لمعين دمرها السبئيون هي ونشأن وأستوطنوا فيها ولايعرف الكثير عن هذه الممالك الصغيرة لقلة الأبحاث حولها [190]

مملكة ديدان[عدل]

هي مملكة تابعة لمملكة معين من القرن الخامس ق.م حتى بدايات الأول ق.م [191] قامت في الأجزاء الشمالية الغربية من شبه الجزيرة العربية وأغلب الظن أنها مرحلة سابقة لمملكة لحيان حيث يعتقد بعض الباحثين أن اللحيانيين كانوا من سكان العربية الجنوبية لورود نص يشير إلى قيل لحياني في اليمن اسمه "أب يدع ذو لحيان" واستوطنوا ديدان جنوب أراضي الأنباط فلما ضعفت حكومة المعينيين في اليمن استولى اللحيانيون على المملكة وأسموها على اسم قبيلتهم [192] وليس بين الباحثين اتفاق على أصولهم تحديدا ويرى جواد علي أن المعينيين كونوا مستعمرات في أعالي الحجاز منذ القرن الخامس قبل الميلاد ووصفهم باللحيانيين أيام قوة المعينيين, وهدف هذه المستعمرات هو تأمين الطريق التجارية من اليمن إلى الشام [193] ووفقاً، لورنر كاسكل [194] :
   
تاريخ اليمن القديم
الجدير بالذكر هو أن العهد القديم لديه الكثير ليقوله بشأن السبئيين وواضح أنه صامت بشأن المعينيين ولكننا نجد ذكرا لديدان وظهر في سلسلة الأنساب الموضوعة في العهد القديم كأخ لسبأ (تكوين 10:7) وهو ماله تفسير واحد، عندما يتحدث العهد القديم عن الديدانيين فإن المقصود هو معين والسبب في ذلك الاستخدام واضح، وذلك لأن قوافل مملكة معين العربية الجنوبية كانت تتوقف في ديدان ولا تجاوزها، فيقوم مواطنيهم في تلك المستعمرة بنقل البضائع إلى محطات أخرى؛هدف هذه المستعمرة هو تقصير مشقة السفر على المعينيين
   
تاريخ اليمن القديم
أغلب بضاعتهم القادمة جنوب شبه الجزيرة العربية كانت موجهة لمصر واليونان ويعتقد كاسكل أن اللحيانيين استولوا عليها في منتصف القرن الثاني ق.م قرابة 150 ق.م فقد كان المعينيون يسيطرون على أعالي الحجاز من القرن الخامس ق.م بمساعدة من الأنباط بدلالة أن أول ملوكهم كان نبطيا ثم عادت للحيان مستغلين ضعف مملكة معين وحروبها مع مملكة سبأ[195] ويرى جواد عليأن اللحيانيين من سكان العربية الجنوبية واستولى الحميريين على أراضيهم هناك أواخر القرن الثاني ق.م وقد عدهم بلينيوس الأكبر في جملة الشعوب العربية الجنوبية كذلك[196]

الدين[عدل]

دعاء منقوش على يد من البرونز موجه لإله قبيلة همدان تألب ريام.الدعاء موجه من شخص يدعى "وهب تألب بن حسام ذي سمعي" شاكراً إلهه على نجاته في معركة ضد الحميريين أو كذلك استنبط علماء الآثار بسبب ذكر ظفار يريم وهي عاصمة مملكة حمير
مذبح الإله عثتر أكبر ألهة العرب الجنوبيين باختلاف القبائل
"محرم بلقيس" والحقيقة أن لا علاقة لبليقس بالحرم إنما التصقت به التسمية عند العامة واسمه معبد برأن
كان المجتمع اليمني القديم مجتمعا متدينا ويستدل على ذلك اعتبار الكهنة أعلى طبقة اجتماعية في البلاد والضرائب المفروضة للإلهة وكثرة المذابح والنقوش المصورة لوعلان وثيران وهي حيوانات كان اليمنيون يكثرون من التضحية بها. قدس اليمنيون عثتر والمقه وسين وود وعم. وكانت العقائد إن صحت تسميتها تتمحور حول ثالوثالشمس والقمر وإبنتهما كوكب الزهرة وهو افتراض مشكوك فيه من قبل بعض الباحثين [197] ولكن لايمكن إغفال العلاقة والتشابه بين معتقدات اليمنيين القدماء والكنعانيين. الآلهة الرئيسية كانت عثتر ومن ثم المقه وعم وود وسين تليها آلهة القبائل الخاصة كتألب ريام الهمداني و"كهلان" أو كاهل إله مملكة كندة ومذحج [198] قدست سبأ المقه وقدست حضرموت سين وكان عم إله قتبان وود إله مملكة معين.
عثتر هو النسخة الذكرية من الإلهة عشتار كما يعتقد البعض ولكن أبحاث جديدة تظهر ميثولوجيا مختلفة قليلا فترجح أن عثتر كان أنثى كما تشير إليه النصوص اليمنية "أم عثتر" وإنقسم إلى قسمين، إله ذكر وإلهة أنثى كانوا أب وأم البشرية جمعاء [199] عثتر هو أكبر آلهة اليمن ووالد الآلهة كلها والشعب اليمني القديم باختلاف قبائلهم[200]ورغم اختلاف الباحثين في تحديد فترة نشوء سبأ هناك دلائل على قيام المملكة قبل القرن التاسع سماها بعض الباحثين بالفترة "المهجورة" (إنجليزية:Archaic) وهي الفترة في القرن الثاني عشر والثالث عشر ق.م [201] فقد وجدت كتابات تشير إلى عثتر كالإله الرئيسي لقبيلة سبأ ويعتقد أن دخول المقه في المعتقدات السبئية هو نتيجة لدخول قبيلة "فيشان" (قبيلة الملك كرب إيل وتر) في سبأ فأصبحت سبأ تجمعا عشائريا كبيرا يضم عددا كبيرا من القبائل وأنعكس هذا على ديانتهم فكثرت آلهة سبأ كنتيجة لهذا التحالف [202] وكان للثور أوالعجل قدسية خاصة في اليمن القديم وغيره من حضارات الشرق الأدنى لتشابه قرونه مع القمر.
المعينيون كانوا يصفون إلههم الأكبر ووالدهم ود بلفظة "كهلن" وكلمة "الكهل" وتعني القدير بلغتهم والأب تعبيرا عن عطفه عليهم وكانوا يؤمنون أنه ضحى بحياته من أجلهم ولذلك كثرت عبارات الرحمة والعطف والحكمة اتجاهه فأسموه "صدوق" (الصادق) و"لعزز" (العزيز) و"حكمن" (الحكم) و"حرمن" (المحرم) و"رضى" (الرضي) و"رحمن" (الرحمن) [203] وكانوا يسمون أنفسهم "هود" أي أبناء ود[204] وقدس المعينيين الآلة منضح وهو مسؤول عن السقيا والماء والإله بلو وهو إله المصائب والبلاوي والإله رفوا وهو إله حماية الحدود والإله حلفن وهو إله القسم والتعهدات فيقسم به عند عقد الاتفاقيات والمعاهدات والعقود التجارية [205]
أما سبأ فإلهها الأكبر المقه واختلف الباحثون حول معنى اسمه فالألف واللام أول اسمه ليست أداة للتعريف فأداة التعريف عن العرب الجنوبيين كانت الحرف نون في آخر الكلمة. وأغلب الظن أنها "إيل مقه" وإيل هو الإله الكنعاني القديم واسمه "إيل عليون" وتعني إيل العلي وكان يظهر في أسماء اليمنيين بكثرة مثل وهب إيل وشرح إيل وهي شراحيل وشرحبيل (شرحب إيل) وكربئيل والتي تعني القريب من إيل [206] و"إيل شرح" وتعني "نصر إيل" أو " إيل المتلألئ" [207] ومن المؤكد أن الإسرائيليين قدسوه كما يظهر من أسمائهم مثل صامويل وهي صامو إيل وميكائيل وجبرائيل ووماشابهها من الأسماء. وكلمة مقه تعني "قوي" فيكون معنى الإله اليمني "إيل مقه" هو "إيل القوي" [208] "إيل الحافظ" [209] وربط بعض الباحثين بين اسمه ومدينة مكة مفسرين كلمة "مقه" السبئية بمعنى معبد فيكون معنى اسمه رب أو إله المعبد[210] وقد كان السبئيون واليمنيين بشكل عام يقلبون القاف كافا كما في كلمة مكرب السبئية والتي تعني "مقرب"[210] تزداد عدد الآلهة بإزدياد عدد القبائل. انضمت الإلهة "هبس" وهي زوجة عثتر إلى مجمع الآلهة السبئي مبكرا في القرن السابع ق.م [211] وكانت مسؤولة عن الأرض اليابسة والجافة [212] أما المقه فهو إله الدولة ورمزها وبني له أربعة وثلاثين معبد أشهرهم معبد أوام وبرأن [213]
وسين هو إله القمر عند الحضارم كما هو في آشور وبابل وتشير الرموز إليه بهلال ونقطة فوقه كما وجد في عدد من المباخر القديمة [214] اسمه وفق المتخصصين في اللغات السامية هو "ياسين"[215] لا يزال اليمنيون إلى اليوم يستدعونه عند وقوع مكروه أو دفعه عنهم بعبارة "ياسين عليك" دون أن يقصدو الإله القديم نفسه بالضبط إنما ظل مكبوتاً في لاوعيهم [216] والياء هي صيغة النداء والترجي عند اليمنيين القدماء لكل الإلهة فقد جاء ورد اسم إل مقه بصيغة "يلمقه" كذلك [217] ويرجح عدد من الباحثين أنه المقصود في سورة يس [216] والحلف بالنجوم الكواكب في القرآن ورد أكثر من مرة وتحدث عنه المفسرون [218]
كان لبعض الآلهة مواسم صيد مثل موسم "صيد عثتر" ويعتبر هذا الموسم طقسا تعبديا يمثل الأسطورة أن الإله عثتر حاول قتل الإله بعل ولايزال اليمنيون إلى العصر الحالي لديهم موسم صيد (مقناص) مخصص لصيد الوعول ويرمز الوعل للإله عثتر والهدف من صيده جمع قرونه والمشاركة في طقس قديم لايعرف اليمنيون مغزاه ومعناه جيدا سوى أنه متوارث عن أبائهم [219] والوعل ليس تجسيدا لعثتر بل لإن الوعول كانت حيواناته المفضلة [220] وأسطورة قتل بعل ليست يمنية بينما هناك أسطورة يمنية تقول أن عفريتا في الصحراء كان يطلب من الناس أن يقدموا بناتهم أضحية فقتله بطل أسطوري وكان هذا البطل عثتر [221] ومنهم من قال أن العفريت كان الإله إيل الذي توقف اليمنيون عن عبادته ولم يبقى يظهر إلا في أسمائهم [222] تراجعت أهمية الآلهة تدريجيا حتى وحد الحميريين الآلهة واعتبروا رحمن إلها أوحد وقدسوه وحده إلى أن دخلت اليهودية والمسيحية إلى اليمن فجعلوا رحمن هذا والد المسيح. وقد مرت هذه الإعتقادات التوحيدية بعدة أطوار فقد كان ذو سماوي أو "ذو سموى" بلغة المسند يذكر مقرونا بعدد من الأصنام بداية حتى أصبح إله الأرض والسماء الأوحد ثم ترسخ التوحيد وأهملت الآلهة الأخرى وتم تقديم الإله رحمن وحده في صيغ التعبد غير مقرون بآلهة أخرى ولا حتى أقوام أخرىن كالمسيح أو رب اليهود وهو مايقلل من فرضية أن التوحيد دخل اليمن بتأثير من اليهود والمسيحيين إذ عرف الباحثون ديانة الرحمن هذا باسم " التوحيد الحميري " (إنجليزية: Himyarite Monotheism) لخصائص لم توجد في أديان أخرى [6][223]
استطاع الأركيولوجيين معرفة لمحة بسيطة عن معتقدات اليمنيين عن حياة بعد الموت، فقد وجدت عدة مقابر لجثث محنطة موضوعة داخل أكياس من الجلد مع ترك الرأس خارجا دون تغطيته في مشهد يشبه الولادة، فاعتبر اليمنيون الموت مرحلة لحياة أو ولادة من جديد [224]
يطلق على المعابد في اليمن لفظة "حرم" و"محرم" وكان يحرم دخولها بملابس متسخة وتمنع النساء من دخولها خلال فترة الحيض [225] ويظهر أنه كان لليمنيين طقوس تعبدية تدعى "طوف" (طواف) حول الحرم لها علاقة بالطهارة الروحية يعقبه اعتراف بالذنوب للكهنة وتقديم القرابين التي غالبا ماتكون من حيوانات مفضلة للآلهة وهي الوعلان والغنم والخراف والثيران وتقديم القرابين عادة مايكون لغفران الذنوب أو لشكر الآلهة أملا في زيادة عطاياها [226] واكتشفت عدة حالات تضحية بالبشر وعادة مايكونون من الغرباء عن المملكة الذين يقعون في الأسر [227]

الاقتصاد[عدل]

حصر الأمطار وإيصال المياه للمرتفعات الجبلية، نظام سبئي قديم وأقدم نقش يشير إليه يعود للقرن السابع للميلاد في كتابة صرواح التي خلدها الملك كربئيل وتر
بقايا سد مأرب القديم
مباخر يمنية قديمة والهلال والنقطة أعلاه تشير إلى الإله سين
الزراعة والتجارة وبالذات البخور والعطور والطيب لما لها من أهمية عند الشعوب القديمة لمعتقدات متعلقة بطرد الأرواح الشريرة من المنازل والمعابد وماشابهها من الطقوس التعبدية في العالم القديم، كانا عماد الاقتصاد اليمني وكان اليمنيون أكثر من بقية سكان الجزيرة العربية ميلا وتعلقا بالزراعة حتى إن الباحثين يعتبرون اللهجات العربية الجنوبية تمتلك ألفاظا زراعية أكثر بطبيعة الحال من المناطق الصحرواية في وسط الجزيرة أو الصخرية في شمالها ولم يعثر على شي يفيد بتقدم نظام زراعي في المناطق الشرقية للجزيرة العربية رغم أن سكانها مزارعين. وكان لنظام الري وحصر مياه الأمطار أثر كبير في تطور الزراعة في اليمن فقد أبتكر اليمنيون القدماء نظام ري قل نظيره في العالم وأستطاعوا ري الكثير من الأراضي الجدبة وشبه الصحراوية حتى أوصلوا الماء للمرتفعات الجبلية كما يذكر في نقش "كتابة صرواح" الذي خلده ملك سبأ كرب إيل وتر. وكان لهم مصطلحات زراعية مثل "أنخل" ويقصد بها الأرض التي يكثر بها النخل و"موفرن" وتعني الأرض الخصبة الوفراء [228] وكلمات أخرى مثل "وثن" وهي الحد الفاصل الذي يفصل الممتلكات والأراضي الزراعية من الأحجار ولايزال اليمنيون إلى اليوم يسمون أي تجمع لحجارة "وثن" [229] أما المدرجات في المرتفعات الجبلية فقد سماها اليمنيون القدماء "جربة" وهي مشاهدة في اليمن وعسير إلى اليوم [230] وقد اهتم اليمنيون بالزراعة وتظهر الآثار تقدما في هذا الجانب على أماكن زراعية أخرى في شبه الجزيرة فبنوا السدود الصغيرة في كل واد وحوطوا المدرجات الجبلية بصخور ومجاري لحصر مياه الأمطار وتوجيهها الجهة التي يريدون عن طريق قنوات من عصور قديمة تعود إلى الألفية الثانية قبل الميلاد [231] ولاتوجد أنهار في اليمن فبدأ اليمنيون بالزراعة متأخرا مقارنة بحضارات أخرى في الشرق الأدنى ووجدت بعض آثار لنظم زراعية تعود 5،200 سنة [232] وإذا إنحبس المطر, صلى اليمنيون لآلهتهم طلبا للسقيا وكان لديهم سقيتان، "سقي خرف ودثا" أي "سقي الخريف والربيع" وإن أنعمت عليهم الآلهة قدموا لها القرابين شكرا وتقديرا لأفضالها عليهم [233] ويقال للمطر "ذنم" في اليمن وهو عماد الحياة الاقتصادية فبدونه جدبت أرضهم لعدم وجود أنهار في البلاد كما تقدم وهو سبب الرئيسي للجوئهم للوسائل الصناعية واستخدام أياديهم وعقولهم لحفظ المياه. فحفروا الصهاريج المعروفة باسم "نقب" في حضرموت وتراوحت أعماقها من ثلاثة إلى أربعة أمتار وتوصل بمجاري تحت الأرض يبلغ طولها عدة كيلومترات لإيصال المياه إلى المزارع والسكن [234] وبرع اليمنيون في بناء السدود أو "عرمن" (العرم) كما تذكر في اللغة القديمة وكان الملوك يدفعون الأجور للعمال أو "الآدم" وفي حالات عديدة كانوا يستعملون العبيد في حالات الطوارئ [235] فيعتقد أن سد مأرب بني في القرن الثامن قبل الميلاد [236] ومر هذا السد بأطوار عديدة وتعرض للتصدع عدة مرات آخرها في العام 575 للميلاد ولم يكن بالإمكان إعادة ترميمه حينها لتردي الأوضاع في اليمن قبيل الإسلام ووجود القوى الأجنبية في البلاد (الفرس) فانهار السد وجدبت الأراضي التي كان يرويها وأصبحت صحراء قاحلة جدباء [237] أقام المهندسون اليمنيون في القرن الثامن قبل الميلاد سدا قويا في الجهة التي تخرج منها السيول إلى المجاري عرف باسم "رحبم" وكان طوله قرابة 577 مترا وكان هذا السد هو حجر الأساس لسد مأرب الكبير الذي أقتطعت حجارته من الجبال ونحتت بإتقان وتم إيصالها ببعض باستخدام قطع من قضبان إسطوانية مصنوعة من الرصاص والنحاس يبلغ طول الواحد منها 16 سنتمترًا، وقطرها حوالي الثلاثة سنتمترات ونصف. وذلك بصب المعدن في ثقب الحجر، فإذا جمد وصار على شكل مسمار يوضع الحجر المطابق الذي صمم ليكون فوقه في موضعه بإدخال المسمار في الثقب المعمول في الجهة السفلى من ذلك الحجر، وبذلك يرتبط الحجران بعضهما ببعض برباط قوي محكم. وقد اتخذت هذه الطريقة لشد أزر السد، وليكون في إمكانه الوقوف أمام ضغط الماء وخطر وقوع الزلازل [238][239] وبنيت الكثير من السدود المشابهة والمتصلة ببعضها البعض وقل مثيل هذه السدود في العالم القديم باستثناء اليمن, فقد تغلب اليمنيون على تضاريس بلادهم وسخروا الطبيعة لخدمتهم [240][241]
أما التجارة، فقد نشأ سوق العطور والبخور منذ الألفية الأولى قبل الميلاد على الأقل في منطقة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا. وأهمية البخور تكمن في المعتقدات السائدة حينها عن الجن والأشباح والعفاريت إذ كانت مرتبطة بطقوس دينية عند كثير من الشعوب. ولم تكن هذه المحاصيل تزرع إلا في شرق أفريقيا واليمن والهند وهو سبب اهتمام اليمنيين بسواحل أفريقيا كونها مصدر المحصول الأكثر طلبا في العالم القديم. حتى أن الملكة المصرية حتشبسوت حاولت زرع هذه المحاصيل في مصر فلم تستطع[242] وهناك خلاف بين الباحثين في تحديد مكان بلاد البنط المذكورة في نص دونته هذه الملكة المصرية ويبدو أنها الأرضين الواقعة غرب اليمن وشرق أفريقيا [243]ويسمى التاجر "مكر" في اللغة القديمة في مقابل "تمكرو" بلغة الآشوريين [244] وذكر اليونان قوافل اليمنيين وكيف أنهم كانوا أثري سكان الجزيرة العربية وكانت ثرواتهم مطمع الكثير حتى ذكر في العهد القديم أن السبئيين سيقدمون بالذهب معظمين لملك اليهود المنتظر [245] وبغض النظر عن صحة القصة، هي دلالة على اتصال تجاري بين السبئيين واليهود أو العبرانيين فكل الوارد عنهم في كتب اليهود من هذا القبيل وكان السبئيون يشترون العبيد والجواري منهم [246] ويستدل على ثراء السبئيين نصوص آشورية تشير إلى تلقي ملوك آشور هدايا من الذهب والفضة، قد تكون هدايا أو قد تكون ضريبة تدفعها الحكومات للسماح لتجارها بالإتجار في الأرض المعنية[247] وكان اليمنيون يسمون آشور "آشر" و"عبر نهرن" [248] وقد أشير في التوراة إلى قوافل سبأ، وهي قوافل كانت تسير من العربية الجنوبية مخترقة العربية الغربية إلىفلسطين، فتبيع ما تحمله من سلع هناك. وقد كان السبئيون يسيطرون على العربية الغربية، حتى بلغت حدود مملكتهم أرض فلسطين ويُعتقد أن أهل يثرب كانوا أحد المستوطنات اليمنية التي أنشأها السبئيون على طول الطريق التجارية المحاذية للبحر الأحمر [249][250] وكان لليمنيين تجارة مع مصر القديمة بلا شك حتى إن بعض اليمنيين وأغلب الظن أنهم من "معن مصرن" (مملكة معين المصرية) عمل برتبة "أويب" وأنتخبه كهنة المعبد المصري كاهنا وذلك بالطبع ليضمنوا حصولهم على البخور والمر بأسعار معقولة من اليمنيين وتهربا من دفع الضرائب واسم هذا الكاهن الغير مصري "زيد إيل" [251]
رغم ورود كتابات عن سيطرة اليمنيين على سواحل في أفريقيا فإن الوارد عن التجارة البحرية قليل مقارنة بالبرية. كان لحضرموت ارتباط مع الهند وموانئ أهمها ميناء قنا الذي يبعد عن مدينة المكلا قرابة 120 كيلومتر. ولايمكن للحضارم أن يصلوا للهند لو لم يكن لهم دراية وخبرة في صنع السفن [252] ولكن السفن العربية لم تكن بمستوى الرومانية التي بنيت لظنون عند الرومان أن اليمنيين كانوا يملكون أسطولا بحريا قويا كما قال مرافق أيليوس غالوس سترابو فقد كان أغسطس قيصر يعتقد لما رآه من هيئة التجار والقوافل أن السبئيين أهل قتال فأراد السيطرة عليهم فإما يكونوا أصدقاء أو يكونوا خاضعين ولايضطر الرومان لدفع مبالغ طائلة لقاء البضائع كون السبئيون كانوا متحكمين في أسعارها [253]

اللغة[عدل]

إناء بكتابة عربية في عصر الدولة الأموية يوضح اختلاف القلم القرآني قديما عما هو عليه اليوم
كتابة قتبانية
العربية الجنوبية القديمة كانت اللغة المستخدمة في اليمن مع اختلافات بسيطة بين لهجات القبائل فقسمها الباحثون لأربع لغات هي لهجات حقيقة وهي لغة سبئية ولغة قتبانية ولغة معينية واللغة الحضرمية أما الحميرية فلا تنتمي لهذا التصنيف [254] مرت اللغة بعدة أطوار فاللغة المكتشفة على النقوش في القرن التاسع والثامن ق.م تختلف عن تلك التي كتبت بعد الميلاد فاللغة تتطور ولا تبقى بشكل واحد ودخلت عليها كلمات عبرية وآرامية في فترة ما بعد الميلاد كنتيجة طبيعية للإحتكاك. كانت اللغة تدون باستخدام نظام كتابة متعلق ولكنه ليس متطورا عن الأبجدية الفينقية القديمة [255] فهو يزيد بسبعة حروف عن الفينقية ودون في نفس الفترة تقريبا (الألف قبل الميلاد) فلم ينبت المسند عن القلم الفينيقي ولكنه نبت من نفس الأصل وهو الأبجدية السينائية الأولية لذلك يعد أحد أقدم الأبجديات في العالم [256] وهو خط الكتابة العربي الأصلي ولم يطور سكان المناطق الأخرى في شبه الجزيرة العربية نظام كتابة خاص بهم فأستعاروه وعند انتشار المسيحية في جزيرة العرب استعاروا أبجدية السريان لإنها أسهل وأبقى اليمنيون على المسند [257] يعتقد أن استخدام خط المسند بدأ في القرن العاشر ق.م وتوقف في القرن السادس بعد الميلاد أي أنه كان نظام كتابة مستخدم في اليمن لمدة تزيد عن الألف وخمسمئة سنة من تاريخ البلاد [258] توقف استخدام القلم (على مايعتقد) قرابة ستين سنة قبل بعثة النبي محمد والمؤكد أن دخول اليمنيين في الإسلام ساهم في ذلك إذ استبدلت بالأبجدية التي دون بها القرآن وهي أبجدية نبطية [259] والخط "العربي" اليوم لا يشبه ما كان مدونا في بدايات الإسلام.
توقف استخدام النص لم يعني توقف استخدام اللغة فقد تطورت اللغة ويمكن ملاحظة ذلك على لهجات اليمنيين الحالية بل إنه من المؤكد أنه كان لليمنيين لهجة قبيل الإسلام ويستدل على ذلك كتاب النبي محمد إلى وائل بن حجر [260] بل ورد أن بعض أهل اليمن كانوا ينطقون الجيم مصرية في صدر الإسلام ويستبدل الكاف آخر الكلمة فيجعلها شين فيقول "لبيش" يقصد "لبيك" [261] وبعضهم يقلب أداة التعريف الألف واللام أول الكلمة بألف وميم فيقول "أمبارح" يقصد البارحة و"أمبر" يقصد "البر" [262] ويقلب الجيم ياء فيقول "المسيد" ويقصد "المسجد"[263] ومنها ماورد أن الحارث بن هانئ بن أبي شمر الكندي استلحم (وتعني كثر عليه القتال) يوم ساباط فنادى "ياحكر، ياحكر" يريد بها حجر بن عدي الكندي لمساعدته وكلاهما يمنيان وهي دلالة قدم اللهجات اليمنية [264]
كتابة سبئية تعود للقرن الثامن ق.م
قسم العلماء اللغة القديمة إلى أربعة أقسام إضافة إلى عدة تفرعات هي :
  • سبئية : من القرن العاشر ق.م إلى القرن الأول ق.م [265]
    • سبئية وسطى : القرن الأول ق.م إلى القرن الرابع بعد الميلاد.
    • هرمية : لغة مملكة هرم وهي ضمن السبئية
    • سبئية وسطى : المتحدثة وسط اليمن
    • سبئية جنوبية : لغة ردمان
    • شبه سبئية (سبئية لاحقة وسبئية زائفة): المتحدثة في نجران وقرية الفاو
    • سبئية متأخرة من القرن الرابع الميلادي إلى السادس.
  • معينية: لغة الجوف والدولة المعينية (من القرن الثامن قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد).النقوش خارج معين توجد في ديدان، ومدائن صالح، وفي مصر، وجزيرة دلوس اليونانية.
  • قتبانية: لغة مملكة قتبان من القرن الخامس قبل الميلاد وحتى القرن الثاني للميلاد.
    • أوسانية: لغة مملكة أوسان، استعمال قليل جدا (حوالي 25 نقشاً أثرياً، من القرن الثامن إلى القرن الأول قبل الميلاد) لا يختلف شكلها عن القتبانية.
  • حضرمية: لغة حضرموت، توجد نصوص اللغة في جزيرة دلوس أيضا. من القرن اخامس قبل الميلاد إلى الرابع قبل الميلاد.
أغلب الكتابات المكتشفة وجدت منقوشة على ألواح أو على صخور ولم يعثر على كتابة ورقية بالحبر إلا أن هناك آثارا تاريخية تشير إلى استعمال الحبر في اليمن ولكن الورق والحبر أدوات سهلة العطب ولاتعيش كالنقش على الأحجار إن لم تولى رعاية خاصة وهناك أمل عند الباحثين أن يتم اكتشافها بزيادة أعمال التنقيب. أغلبها نصوص دينية وتعبدية أو تخليد إنجازات ملك وبناء معبد أو منزل ولم يعثر على كثير من النصوص الأدبية بعد. وكانت القوانين تكتب على صخور كبيرة ليراها العامة.

الزبور[عدل]

زُبُر مكتشفة في اليمن
كان هناك نوع آخر من الكتابة موجود في اليمن يسمى الزبور ولم يكن اليمنيين أميين بل تظهر الآثار قدرة الأعراب من أهل اليمن على القراءة والكتابة [266] قال المؤرخون العرب أن المقصود بالزبور هو سفر المزامير وأن اليمنيون كانوا يسمونه زبورا فغلب على السفر هذه التسمية [267] الزبور كان الأدعية والصلوات التي يكتبها عوام الناس من اليمنيين يوميا على أسعف النخل أو المصاحف وخلال رحلاتهم التجارية وتختلف الزبر عن المساند في أنها لاتكتب على ألواح أو صخور كبيرة أي أنها ليست شواهد وليست دينية بالضرورة فقد يكون بعضها يحتوي على أدعية وبعضها إيصالا أو فاتورة وكان ماعرف بالجاهليين العرب يعرفون ذلك عن اليمنيين فذكر الزبور باسم زبر وكيف أن أطفال الحميريين كانوا يستطيعون القراءة والكتابة [268][269] فالزبور المذكور في القرآن لا علاقة له بهذا الزبور فالقرآن ذكر أنه أنزل علىداوود بينما كتابات الزبور عند الحميريين مختلفة وليست متعلقة بداوود بالضرورة ولكنه وارد فعدد من الحميريين كان يهوديا.

المجتمع[عدل]

منحوتة سبئية لامرأة اسمها "غليلات" وفيه دعاء للإلهعثتر بتدمير كل من يحاول تخريب الصورة. يظهر من هيئتها أنها كانت امرأة ثرية كما يظهر من الخدم حولها في كلا الصورتين
التباين الطبقي هو الأكثر وضوحا في اليمن في العصور القديمة وإلى اليوم من مناطق أخرى في شبه الجزيرة العربية وذلك لعوامل عديدة أهمها نمط الاستقرار الذي يعيشه أغلب قبائل اليمن مقابل البداوة والترحال في مناطق أخرى ووجود نظم وحكومات في العربية الجنوبية وعمل أهلها بالتجارة من عصور قديمة هذا لا يعني عدم وجود الطبقية عند أهل البادية (الذين يشكلون جزءا معقولا من قبائل اليمن) بل هي موجودة ولكنها ليست بنفس التباين والوضوح [270] فقد كان المكرب أعلى طبقة اجتماعية في البلاد ولم يحكم منفردا لوجود مكاربة آخرين لاينظرون لأنفسهم بدرجة أقل. وكما يتضح من نقوش خط المسند، فقد يتشارك في حكم المملكة أكثر من مكرب تصل إلى ثلاثة مكاربة في وقت واحد. يليهم طبقة اسمها "أبعل" و"أسود" وأدق ترجمة لها هي أرباب وسادة ومفردها "بعل" وهم سادة المجتمع وصفوته وأشرافه ووجهاء أقوامهم وأستخدمت لذكر بيوت من همدان قبل تولي أسر منها الحكم في سبأ، وأستخدمت لوصف زعماء كندة وخولان كذلك وهي ليست مقتصرة على قبيلة بعينها بل تعني الزعماء الذين يتزعمون أكثر من قبيلة ولديهم أراضي وإقطاعيات واسعة[271][272] يشاركهم هذه المنزلة الأقيال وهم ملاك إقطاعيون ممن يمتلك أراض كثيرة ولها نفس معنى أبعل بالضبط وطبقة اسمها الأذواء وهم أشراف وسادة ولكنهم ليسوا ملوكا فنجد عبارات مثل "ذو يزن" ومعناها رئيس أو صاحب بيت يزن فهو شريف ولكنه ليس بدرجة المكرب أو الملك [273] وطبقة الأقرام ومفردها "قرم" وتعني شجاع [274] وقد لاتكون طبقة بقدر ماهي لفظة تعظيم إذ كان اليمنيون يحرصون على ذكر علية القوم بلفظة تعظيم في نقوشهم. ووجود سادة وأقيال و"أبعل" سيقابله طبقات معدمة محرومة بلا شك كنتيجة طبيعية ويقال لهذه الفئات بلغة المسند "قطن" و"آدم" و"صغرم". كان هناك طبقة الجنود والمقاتلين ويشار إليهم في النصوص بلفظة "أسدم" والميم في آخر الأعلام هي أداة التنكير في العربية الجنوبية والنون في آخرها وهي مقابل ال التعريف [275][276] إلا أن اليونان اعتبروهم أعلى طبقة [277] تليهم طبقة أخرى وهم شذاذ القبائل والمرتزقة وكان يستعملهم الملوك والإقطاعيون إلى جانب طبقة المحاربين. وكانت هناك طبقة من المزارعين ويقال لهولاء "قسدن" وجمعهم "قسود" وهم مزارعون يعملون لقاء أجر للأقيال والأذواء ومفروض عليهم الخدمة العسكرية والقتال عند وقوع الحرب. وكون التجار وأصحاب القوافل طبقة خاصة بهم وعرفوا باسم "مكر" في نصوص المسند وهم دون الأقيال والأبعل ولكنهم مهمين وعماد اقتصادي للبلاد بسبب الضرائب التي كانوا يدفعونها لخزينة الدولة [278] أدنى الطبقات كانوا العبيد ويشار إليهم بألفاظ "عبدن" و"عبدم" و"آدم" وكلمة "أمت" للإماء [279] أما المواطنون وغالب الشعب وعوام الناس يقال لهم "جوم" وهي مرادف قوم لإن الجيم تنطق كاف في العربية الجنوبية القديمة أو "أخمس" وكلمة أخمس تحدد وطن الشخص لإن كلمة "جوم" وجدت مقرونة بآلهة فيقال "جوم مقه" أو "جوم عثتر" وهي آلهة تتشارك عدد من الأقوام في تقديسها فلا يستدل بها على مملكة الشخص عكس كلمة "أخمس" فيقال في النصوص "أخمس معن" وتعني مواطني معين [280] وتستعمل كلمة "شعبن" و"شعبم" كذلك وهي أقرب لقبيلة [281] وتختلف المصطلحات من مملكة لأخرى, فالسبئيون كانوا يطلقون كلمة ملك على ملوك المقاطعات التابعة لهم أما المعينيين فكنوا يستعملون كلمة "كبر" (كبير) لوصفهم وهم المسؤولون عن المقاطعات البعيدة ويقومون مقام حاكم الولاية.

التشريعات والقوانين[عدل]

كان في كل مقاطعة مجلس مكون من ثمانية أعضاء أو " ثمينتن " باللغة القديمة مهمة المجلس الإشراف على الشؤون الزراعية وتمويل المزارعين عند الحاجة بحصص من خزينة الدولة وجمع الضرائب من المزارعين وسن المعبد قانونا ينص عقوبة على المزارعين الذين يتركون أعمالهم. ولم يكن الملوك يستبدون بآرائهم إذ يستنبط من نصوص المسند وجود مجالس محلية لكل مدينة ولا شك أن أعضاء هذه المجالس كانوا من الأقيال والأذواء وهم مقربين من الملك ويحسب لهم حساب فيترك الملك شؤون مقاطعتهم لهم ومايرونه أصلح فاختلفت القوانين من مقاطعة لأخرى [282] وجاء ذكر ذلك في القرآن وعن كيفية إستشارة بلقيس للملأ وهولاء الملأ هم أعضاء وممثلي هذه المجالس المحلية وإن لم يعثر لهذه الملكة أثر حتى اللحظة. تقلص دور هذه المجالس وقضي عليه تماما في عصر ملك الحميريين [283] ولم تكن مهام هذه المجالس مقصورة على الزراعة وإن كانت أهم الموارد الاقتصادية بل يتعداها إلى اقتراح قوانين العقوبات وقوانين تنظيم التجارة وتقوم هذه المجالس بتقديم إقتراحاتها إلى الملك الذي له القرار النهائي بإنفاذ القانون من رده، ودرجت العادة على إدراج اسم الملك وأسماء أعضاء المجلس الموافقين على القانون لتأكيد شرعيته [284] وكانت هناك مجالس خاصة لأصحاب الحرف والصناع لايعرف عدد أعضائها إلا أن الملك لايقضي بقانون يخصهم دون إستشارتهم وإدراج أسمائهم في نص القانون المتعلق بصناعتهم [285] ورد في نقوش المسند أن شمر يهرعش سن عدد من القوانين تنظم بيع وشراء العبيد والمواشي. فيتم البيع بعد شهر ويحق للمشتري إعادة ماإشتراه خلال عشرة أيام. وإذا اشترى حيوانا ولم يهلك لمدة أسبوع وجب على المشتري دفع الثمن كاملا ويحق له إعادته إذا نفق الحيوان خلال هذا الأسبوع ولايحق له الاعتراض بعدها [286] الملك لايتدخل إلا في الأمور المتعلقة بالضرائب والقرارات الكبيرة المؤثرة أما قوانين الزواج والميراث فتركت لأهل المجالس والمعبد فورد عن نص يقضي قانونا يسمح لمواطني معين بالزواج والتصاهر مع أبناء مملكة ديدان التابعة لهم ولم يورد اسم الملك في القانون [287]
كانت عقوبة القاتل هي الإعدام بالسيف فلم يعرفوا غيرها ولاتوجد دلائل مكتشفة على استعمالهم وسائل أخرى كالرجم والصلب وغيرها من وسائل الإعدام عند الأمم الأخرى كاليهود والرومان أو الخنق والذي مارسه المناذرة تأثرا بالفرس بالطبع [288][289] إلا إذا رضي ذوي المقتول بدية، فإن لم يعثر على ذويه سألوا عن أقرب الناس له[290] ولم تحدد قيمة الدية إلا أن نصا سبئيا يعود للقرن الثامن ق.م أمر قبيلة القاتل بدفع مئتان (لايعرف ماهي هاتان المائتان بالضبط) لخزينة المعبد لقاء دم مقتول من طبقة "آدم" وهي طبقة دنيا. ويلاحظ أن عقوبة القتل لم تطبق على القاتل لإنه من طبقة مرموقة أما المقتول فكان من صغار الناس والمساكين فأكتفى الكهنة بتغريم أهل المجرم [291]
ومنعت القوانين أصحاب الحق من ذوي المقتول أخذ حقهم بأياديهم بل تفرض عليهم عقوبات إذا ماقاموا بذلك فالمجالس وقرار الملك كفيل بتنفيذ العقوبات [292] أما عقوبة الثورة والخروج على حكم الملك فهي القتل والقرار النهائي والأخير ليس بيد القاضي بل بيد رأس الدولة فوردت نصوص عن عفو يصدره الملوك اتجاه الآخرين وممايدل على الطبيعة الكهنوتية لنظام الحكم في العربية الجنوبية، هو اشتراط الملك أن يقدم المعفو عنه قربانا في المعبد وأن يسأل الآلهة أن يغفروا له تعديه على الملك. فاعتبر الخروج على الحاكم خروج على الآلهة نفسها. وبالفعل وردت نقوش مكتشفة في المعابد عن توبة هولاء الثائرين وتبرئهم من "الذنوب" التي إرتكبوها [293] وتم بناء السجون لإيداع المجرمين والثائرين وكانت مباني محصنة ومسورة يشرف عليها الجنود وكان هناك عقوبات لاتستحق السجن مثل الذين يتهربون من دفع الضرائب وكانت عقوبتهم خمسين جلدة في مكان عام [294] كانت التضحية بالبشر والفتيات (الوأد) رائجاً لفترة في اليمن القديم ولكن أُكتشفت كتابة سبئية تقر قانوناً يمنع وأد البنات[295]

الفن[عدل]

مجسم رأس لامرأة مبتسمة يعتقد أنه يعود للقرن الثالث ق.م. مثل هذه المجسمات كان يوضع على شواهد القبور المجسم معروض في متحف والترز للفنون ببالتيمور، ماريلاند في الولايات المتحدة
الفن اليمني بدأ مع نشوء الحضارات في الألفية الثانية ق.م وكان إلى القرن الخامس ق.م نقيا من عوامل خارجية حتى بدأ التأثير اليوناني يظهر جليا على طريقة الصناع والنحاتين في جنوب شبه الجزيرة العربية على رأي بعض المستشرقين [296] الفنون ليست بتعقيد اليونانية والرومانية التي تحرص على إبراز جمال الأجسام وكمالها وهو مالم يظهر في العربية الجنوبية فقلل المؤرخ جواد علي من التأثير اليوناني المزعوم. فهناك أعمال تتشابه مع تلك اليونانية لكن غالب الأعمال هي انعكاس لثقافة يمنية بحتة والتأثيرات الخارجية تحدث لكل الأمم [297] أستخدم البلاستيك بالإضافة إلى البرونز والذهب والمرمر والرخام كثيرا وكانت المشكلة التي تواجه النحاتين هو عدم قدرتهم على إبراز ملامح الإنسان بشكل واضح وبالطبع اختلفت الأعمال باختلاف الفنان فنجد أعمال دقيقة مصورة لكهنة وأناس من الطبقات الثرية وبعض الأعمال لمزارعين ونحاتين بسطاء لم تكن بنفس الجودة. الأعمال المصنوعة من البرونز والرخام والمرمر أكثر دقة وواقعية من النقود. إذ فشل النحاتون في إظهار صورة الملوك جيدا على العملات لذلك تجد كثيرا من العملات هي نسخ حرفي لعملات يونانية ورومانية مع استبدال الحروف في العملة بحروف عربية جنوبية. لا توجد أعداد كثيرة لتماثيل كبيرة مصورة لبشر ويعتقد أن للإسلام سبب في ذلك بسبب اعتباره لمثل هذه التماثيل أصناما فعدد كبير من التماثيل الكبيرة مكسور وغير واضح المعالم باستثناء مابقي مطمورا تحت الأرض واكتشف حديثا فلم تصل إليه أيدي العابثين، فقد كان ينظر محطمي هذه الآثار القديمة التي تحكي تاريخ أجدادهم أنها لقوم كفار مغضوب عليهم وبالفعل الكثير من الآثار المكتشفة في اليمن مكسور عمدا [298] وأستخدمت الأحجار لنحت الأسرة والكراسي والذهب والفضة آنية للأكل والشرب [299] وكان اليمنيون يحرصون على إقحام رموزهم الدينية في المصنوعات فيزينون المباخر والمصابيح التي تضاء بالزيت بصور لوعول وثيران هي تمثل إلمقه وعثتر وأستطاع الباحثون استنباط بعض جوانب الحياة اليومية لليمنيين من المنحوتات المصورة للناس وكونوا فكرة عن اللباس الذي كان يرتدونه وهو لايختلف كثيرا عما يرتديه اليمنيون اليوم [300] وعثر على نقوش مصورة لنمط الحياة لمختلف الطبقات منها نقوش لنساء ثريات وهي كثيرة ومنها نقوش لتصوير إحتفالات وتصوير لنساء راقصات وآلات موسيقية ومقاتلين ومزارعين وكل طبقات المجتمع من المكرب إلى "الآدم" وتكمن أهمية هذه الأعمال في تصوير وضع الحياة في اليمن[301]

العمارة[عدل]

"التخريم" أو "مولجم" في نصوص خط المسند فن معماري قديم لايزال يشاهد في البيوت اليمنية التقليدية
كان اليمنيون بنائون ومرد ذلك أنهم أهل حاضرة ومساكنهم ثابتة مستقرة حتى الأعراب وأهل الوبر منهم كان لديهم منازل تصنع من الديباج ليست بتعقيد وثبات المدن إلا أنها ليست خياما. واللغة العربية الجنوبية تمتلك ألفاظا متعلقة بالبناء أكثر من تلك التي أستخدمت في أجزاء أخرى من شبه الجزيرة العربية [302] كانت الحجارة المادة الأساسية لبناء البيوت في اليمن القديم باستثناء باستثناء المناطق الساحلية التي كان البنائون فيها يستخدمون الطوب [303] ومن فحص المواقع الأثرية القديمة ووصوف بعض أهل الأخبار مثل الهمداني لمعالم وقصور قديمة في اليمن كانت لا زالت باقية على أيامه، يتضح أن الطراز المعماري في اليمن القديم لايختلف كثيرا عما هو باد اليوم في صنعاء القديمة وللأسف فإن الكثير من المباني القديمة هدمت وأخذت حجارتها لبناء بيوت جديدة عبر عصور مختلفة [298][304] كانت هناك عادة في اليمن وهي نقش اسم البناء أو مالك المبنى مع ذكر اسم الإله تيمنا به في شاهد يوضع أمام البيت أو المعبد ومن هذه الكتابات أخذ الباحثون جل معرفتهم بتاريخ اليمن القديم. تحفر الحفر على حسب طول البناء المراد بنائه وتوضع الصخور والطين والأسفلت أو 'زلتن" (الزلت) كما هو في اللغة القديمة وتخلط بالماء وتترك إلى أن تجف ثم تبنى الجدران القوية باستخدام مادة النورةويطلى الجدار الخارجي للمنزل بينما يزين الداخلي بنقوش غالبا ماتكون لحيوانات كالوعول والثيران. وتتكون المباني من ثلاث إلى خمسة طوابق في الغالب وكان هناك استثنائات لقصور الملوك ويشار إلى السلالم التي تقود إلى الطوابق العليا بلفظة "علوه" في اللغة القديمة [305] أما السقف فهو "ظلل" و"مسقف" ويبنى بنفس الأدوات التي تستخدم لبناء الجدران [306] وبنيت النوافذ وكانت تصنع من الزجاج الملون بعدة ألوان مختلفة لإضاءة المنازل ولا تزال هذه العادة موجودة إلى اليوم وتسمى باللغة القديمة "مصبح" ويطلق على النور "صبحت "[307] ويطلق على البناء العالي المرتفع كلمة "صرحن" (الصرح) باللغة القديمة [308] أما الأبراج والقلاع والحصون فعرفت باسم "محفدن" (المحفد) في نقوش خط المسند وتبنى باستخدام حجر البلق القديم وتحوط بخنادق عادة وهي أشبه بثكنات عسكرية ليتحصن بها الجنود [309] كثير من البيوت في صنعاء تعود إلى فترة التاريخ القديم بدلالة وجود كتابات بخط المسند منقوشة على الجدران العليا للبيوت، فإما أن البيوت تعود للتاريخ القديم أو أن حجارة المباني القديمة أُستخدمت لبناء بيوت جديدة [310]

الجيش[عدل]

جزء من لوحة مكسورة يظهر مقاتل على فرس ممسكا درعا وخلفه أحد المشاة بفأس ودرع
يشار إلى الجنود بلفظة "أسد" في نصوص المسند وتضاف عبارات مثل "أسدم ملكن" ويقصد بها القوات النظامية التابعة للملك فقد كان الأقيال والسادة يستعملون قواتهم الخاصة فتضاف العبارة لتمييز جنود الدولة عن غيرهم من المقاتلين والمرتزقة الذين يعملون للطبقات الثرية [311] كانت القوات مخصصة ومدربة على قتال الأعراب تحديدا كونهم الأقرب إلى اليمن فتعلم اليمنيون كيفية قتالهم فلم تكن جيوش اليمن جيوش توسعية بل هدفها الرئيسي هو تأمين الطريق التجارية من غزوات الأعراب على المتاع [312] ويستدل على الطبيعة الدفاعية للجيوش كثرة النصوص الواردة عن تسوير المدن التي تغلق أبوابها ليلا ويسهر على مراقبتها جنود على الأبراج أو المحافد. وهدف بناء هذه الأسوار والأبواب هو لمنع دخول أو خروج أي أحد دون دراية الجنود [313] وهي نفس التنظيمات التي أستخدمت في الممالك الأخرى المتصلة باليمن في قرية الفاو وديدان ويثرب [314] ويشار إلى الحصون بلفظة "تمنع" عند السبئيين و"مصنعت" (مصنعة) عند الحميريين وقد اشتهرت المصانع الحميرية ولا زالت آثار بعضها باقية مثل "مصنعة مارية" في ذمار ولا يزال اليمنيون يسمون الحصون باسم "مصنعة"[315] ولفظة "نفوت" كذلك وهي نفس اللفظة المستخدمة في اللغة العبرية[316] أما الحراس على الأبراج فيطلق عليهم "مسجة" بلغة السبئيين أو "مسكت" ومفردهم "مسكم" وتعني الماسك [317] أما الكتائب الصغيرة ذات النظام العشري يطلق عليها لفظة "منسرة" في اللغة القديمة وهي قوات مدربة على تعقب الأعراب في الصحراء، فكل "منسرة" لاتقل عن خمسة مقاتلين ولاتتجاوز المئة ومرد ذلك مقاتلة الأعراب بطريقتهم في الفر والكر والغزو على دفعات لإيهام العدو أن مددهم لا ينقطع ونجح هذا الأسلوب في تعقب الأعراب الذين يغزون القوافل أو يحاولون التطاول عبر أسوار المدن لإن الأعراب يقاتلون بهذه الطريقة فإن وجدوا صبرا من الجيش المعادي فروا من أرض المعركة ويقال لعمليات هذه القوات "غزتس منسرت" في اللغة القديمة [318] وأستعمل السبئيون الخيول ويشار إلى راكبها بلفظة "فرس" (فارس) أما المقاتل على ظهور الجمال فيقال له "ركب" (راكب أو ركبان) وكان لديهم آلات ودبابات ولكنهم لم يستعملوها ضد الأعراب بل لقتال الممالك الأخرى أو لشن حملات عسكرية أو "برث" بلغة المسند ضد ممالك أخرى منظمة [319][320] وقد تكون هذه القوات مجموعة من الفلول تعرف باسم "أحزب" (عصابات) مهمتها إشغال العدو من عدة جهات فيتفرق الجيش المعادي ويسهل على الغزاة اختراقه [321] وأستعمل الجنود الحواجز أو "حجزت" لإعاقة تقدم الأعداء وحصارهم في المضايق ثم مهاجمتهم بالسهام من الأعالي [322] يقود الملوك جيوشهم أحيانا كما كان من كرب إيل وتر وشمر يهرعش ولكن الغالب أن مهمة قيادة الجيش توكل إلى شخص برتبة "مقتوى" أو "قاسد" وهي رتب عسكرية لقادة الجيش أو الكتائب [323] ويشار إلى النصر بكلمة "شرح" في اللغة القديمة ويظهر هذا الفعل بكثرة في الأسماء مثل اسم شراحيل وهي "شرح إيل" أي نصر الإله إيل أما الهزيمة فهي "ضويم" [324] أما الغنائم فهي "غنمت" حسب كتابات المسند [325] وكانوا يستعملون أدلاء يشار إليهم بلفظة "دليل" وجمعهم "دلول" مهمتهم جمع المعلومات عن الطريق الموصلة لمواقع الأعداء ويقال لقائد مقدمة الجيش "قدم" (مقدم) [326]
رغم الوارد عن سيطرة حميرية على سواحل أفريقيا الشرقية فإن علم الباحثين بقوات بحرية ضئيل ويستبعد أنه كان للحميريين أساطيل قوية كتلك التي كانت موجودة عند الرومان وأغلب الظن أنهم أستطاعوا التوغل في أفريقيا عن طريق قوارب صغيرة تحمل المقاتلين فالمسافة بين باب المندب وأفريقيا ليست بعيدة [327] الملاحظ في تركيبة الجيش هو اعتمادهم على "التجميع" فلا توجد دلائل أن هناك تدريبات نظامية أو قوات مستعدة للقتال في أي لحظة كانت موجودة باستثناء تلك التابعة للملك، فوجود المرتزقة والقوات التابعة لأقيال وزعماء القبائل شكل مايشبه قوى الضغط على الحكومة. فلم يهتم الملوك بإنشاء قوات مدربة لموقع اليمن الجغرافي فلم تكن هناك حاجة لليمنيين بالتوجه شمالا والإقتتال مع ممالك أخرى والسيطرة على سواحل أفريقيا المجاورة أو مناطق في الصحراء العربية لم يكن بحاجة إلى جهد كبير منهم فهي بلاد غير متطورة بالقياس معهم في تلك الأزمان [326] فأكتفى الملوك بجمع وحشر القبائل والمرتزقة والعبيد لإخماد الثورات أو الاقتتال مع ممالك مجاورة للسيطرة على الطريق التجارية. فعند تطوير الرومان لأساطيلهم البحرية واكتشافهم للرياح الموسمية، فقد اليمنيون سيطرتهم على سواحل أفريقيا في القرن الأول بعد الميلاد لإن الملوك اهتموا بالتجارة فحسب عكس الرومان وأضرابهم [328] ولا زال نظام كهذا يتبع في اليمن حيث تعتمد الحكومة على القبائل والتحالفات في كثير من حروبها إلى جانب القوات الرسمية ولكن كحال اليمن القديم، فإن ولاء هذه القبائل لايكون إلى جانب الحكومة دائما.

سرقة الآثار اليمنية[عدل]

الكثير من الآثار اليمنية القديمة يتعرض للتهريب ويباع في مزادات علنية حول العالم بل وعلى شبكة الإنترنت [329] [330] كثير من المواقع الأثرية لا تشرف عليه حراسة بل إن البعثات الأثرية نفسها لاتستطيع أن تقوم بعملها بسبب الاضطرابات القبلية وعدم إدراك البدو لأهمية وقيمة هذه الآثار في مأرب والجوف وغيرها فبالكاد يجازف لصوص الآثار للحصول على مطامعهم في اليمن وكثير من محاولات التهريب تحدث من قبل السياح [331] القبور السبئية المنحوتة على الجبال والتي تحوي آثارا بالغة الأهمية ترجح أن المصريين القدماء لم يكونوا الوحيدين الذين مارسوا التحنيط في العالم القديم، معرضة للسرقة والإهمال وسط غياب تام لأجهزة الأمن للحفاظ على هذه الآثار وتوفير بيئة آمنة لدراستها [332]اليمن يمر بظروف صعبة مما يجعل مسألة حماية الآثار تبدو وكأنها ثانوية ولكن المحافظة على هذه الآثار يساعد على رسم صورة واضحة للمستقبل والأهم أنه يحفظ التاريخ من محاولات التزوير والتشويه التي قد تصيبه.

تعليقات

المشاركات الشائعة