يتبع تاريخ اليمن القديم


تاريخ البحث العلمي

كان للنمساويين الصدارة في دراسة النصوص اليمنية القديمة وأشهر هولاء المستشرق إدورد جلازر الذي جمع خلال زياراته الثلاث إلى اليمن حوالي 1032 نقشا قديما[17] وبالتعاون مع صديقه الفرنسي جوزيف هاليفي الذي درس وحده 800 نقش في القرن التاسع عشر ودخل اليمن وتجول بأرجائها كيهودي متسول من فلسطين ليقي نفسه تحرشات القبائل إذ كانت القبائل لا تتعرض لفقراء أهل الذمة بسوء.[18]كانت هناك محاولات متواضعة من مستشرقين إيطاليين ودنماركيين في القرن السادس العشر إلا أنها لم تكن مثمرة. بعد الحرب العالمية الأولى، بدأ عدد من الباحثين المصريين والسوريين "كشيخ الآثريين" المصري أحمد فخري، وله كتابان عن اليمن وتاريخها القديم، بزيارة اليمن والمشاركة في أعمال التنقيب والحفريات. أما أول أمريكي يزور اليمن فكان الباحث ويندل فيليبس وعدد آخر من الباحثين مثل ألبرايت وألبيرت جامه. ثم كان كتاب المؤرخ العراقي الراحل جواد علي العبيدي المعنون المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام وفيه أبدى الدكتور جواد رأيه في كثير من المسائل وأطروحات المستشرقين فلم يكن متوافقا معهم كليا ولا مجرد ناقل بل تناول كتابتهم وكتابات المؤرخين العرب بالنقد والتمحيص كذلك، فهي أبحاث علمية تحتمل الخطأ والصواب. في عام 1987 قام الباحث الألماني ويرنر دوم بزيارة اليمن وتأليف كتاب "اليمن، ثلاثة آلاف سنة من الفن والحضارة في العربية السعيدة" (إنجليزية:Yemen: 3000 Years of Art and Civilisation in Arabia Felix) تطرق فيها الكاتب لأبحاث حديثة حول تاريخ الفنون والتماثيل والمعتقدات الدينية "للعربية السعيدة". وجهود السفير اليمني في مصر محمد عبد القادر بافقيه وكتابه "تاريخ اليمن القديم" الذي تناول فيه المكتشف عن الممالك الأربع بالإضافة لحِميّر وجوانب من أنظمتها الزراعية والتجارية. المكتشف من نصوص خط المسند يمثل نسبة ضئيلة للغاية من تاريخ سبأ واليمن بشكل عام، والدراسات قليلة وغير وافية ومعظم النقوش نُسخ من قبل سياح ومستشرقين دخلوا اليمن متنكرين خوفاً على حياتهم ولم تتوفر لهم فرصة لدراسة النصوص والمعابد بشكل دقيق بعيدا عن المنغصات، فضلاً أن كل المُكتشف الذي تم دراسته عثر عليه على ظاهر الأرض، وما تحتها يتجاوز ذلك بلا شك. فهذه معوقات لا تسمح بتكوين صورة دقيقة ومكتملة عن التطور السياسي للسبئيين وهو ما فتح بابا للجدال واختلاف الآراء والتفسيرات حول دلالات المُكتشف من النصوص[19] وللأسف فإن الأبحاث الآثارية الحديثة في اليمن تتعرض لمضايقات وعرقلة بسبب الاضطرابات.[20] [21]
كتابات النسابة وأهل الأخبار يجب أن تقرأ بحذر وتمحيص شديد لإن مجال الوضع والكذب فيها واسع فعدد كبير من الإخباريين كان يؤلف كتاباً في "فضل" قبيلة ما ومآثرها إما تعصباً أو تكسباً بالأموال[22] ولاحظ الباحثين في العصر الحديث أن الموارد الإسلامية أو تلك التي دونت بعد الإسلام تحتوي شيئاً من الصحة عن التاريخ العربي قبل الإسلام ماتعلق الأمر بالقرن السادس الميلادي على أكثر تقدير مع ذلك لا يمكن الإعتماد على تلك المصادر لإنها لم تعتمد على سند مدون ولا نص مكتوب بل كانت روايات شفهية متواترة تعتمد على القيل والقال وهو حال كل كتابات المؤرخين المسلمين للأسف [23]فمن غير المنطقي من وجهة نظر بعض الباحثين، إدراج النسابة والإخباريين لحوارات طويلة بين شخصيتين تاريخيتين بدون الرجوع إلى مصدر أصلي مدون عن الحوار المزعوم فذاكرة الإنسان مهما كانت لا تحفظ نصاً واحداً بمجرد الإستماع وإحتمالية الكذب والزيادة والوضع كبيرة في ظل ثقافة شفهية كهذه [24] لعل أبرز نتائج هذه الثقافة الأخبار عن الإنتصارات والمفاخر بين القبائل وكلها روايات نابعة من خصومات الإفتعال والكذب فيها جلي [25] وقد كان المؤرخون المسلمون يعتمدون على الشعر لإثبات حوادث تاريخية فيزعمون أن ملكاً أو فارساً أنشد شعراً في موقعة ما وبذلك تكون الفكرة التي أرادوا إيصالها مثبتة تاريخياً في نظرهم ووصل بهم الأمر إلى نسب أبيات شعرية إلى آدم بل إبليس نفسه [26] وحتى إن نقلوا من مصادر مدونة فإنهم يقحمون آرائهم وينقلون عنها من منطلق الواعظ والناصح ولذلك إختلف المؤرخين المسلمين عن اليونان والبيزنطيين كثيراً، فكتابات اليونان وإن عابتها توجهات سياسية إلا أنها أكثر موثوقية[27] وعلى هذا فإن قصص الإخباريين والنسابة ضعيفة ماتعلق الأمر بالتاريخ العربي قبل الإسلام عموماً والتاريخ اليمني بشكل خاص لإن اليمنيين كانوا يدونون بخط المسند وذكروا في كتابات اليونان والبيزنطة ومع ذلك لم يكلف النسابة والإخباريين أنفسهم الرجوع لتلك المصادر بإستثناء قليل منهم كان على إطلاع على كتابات السريان حول بعض التواريخ مثل قصة ذو نواس الحِميَّري [28] وقد تنبه مؤرخون مسلمون في عصور لاحقة لذلك وإنتقدوا أساليب من سبقهم مثل ابن خلدون[29] ولكن من بين الإخباريين الذين بذلوا جهداً معقولاً في هذا الجانب كان المؤرخ والجغرافي اليمني أبو محمد الهمداني مؤلف صفة جزيرة العرب لإنه كان من القلائل الذين حاولوا قراءة نصوصالمسند على الأقل وقد زار المواقع الأثرية بنفسه ودون مارآه وهو مجهود لم يفعله أحد من المؤرخين المسلمين [30] ولكنه مع ذلك وقع في أخطاء فادحة [31]

[عدل]الأصول


منحوتة لإمرأة تعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد أو بدايات الثانية (القرن العشرين ق.م)
ليس من الواضح ما إذا كانت هذه الحضارات القديمة منبثقة من حضارات بدائية قامت في العصر البرونزي (امتدادا للعصور الحجرية) في اليمن أم أنهم نازحين من فلسطين خلال العصر الحديدي. فالبعض يعتقد أن السبئيين وغيرهم كانوا امتدادا لحضارات بدائية قديمة جدا قامت في اليمن إلا أن الارتباط اللغوي للعرب الجنوبيين مع الكنعانيين بالذات يرجح نزوحهم إلى الجنوب على رأي علماء المدرسة الألمانية القديمة[32][33][34]، وتبقى هذه مجرد نظرية، فسبب النزوح (إن حدث فعلا) لا يزال غير معروف. ولكن في الفترة التي عثر فيها علىكتابات مسندية قديمة في اليمن، كان المصريون قد توغلوا في كنعان وأخضعوها لحكمهم، فيعتقد أن غزو المصريين كان سبب النزوح جنوبا واقتتالهم مع ممالك محلية صغيرة (ممالك مدينة ـ City States) وهيمنتهم عليها.[35] وقد ورد نص مصري عن تلقي الإمبراطور المصريتحتمس الثالث هدايا من يمنيين في القرن الخامس العشر، وهذه الهدايا كانت بخورا مما يدل على قدم سيطرة اليمنيين على مناطق إنتاج البخور ويضعف فرضية النزوح في العصر الحديدي.[36] كشفت أبحاث قصيرة في عام 2001 عن وجود حضارة زراعية تعود إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد وهو ما يُفند النظرية المستندة على التوراة بشأن أصول السبئيين[37] فالعامل اللغوي وما جاء في التوراة عن أعراب سبئيين قرب مناطق اليهود هو ما حمل باحثي المدرسة الألمانية القديمة على ترجيح نزوح العرب الجنوبيين من أقصى جنوب فلسطين. فالتوراة ذكرت ما يٌفترض أنه نسب سبأ ثلاث مرات مختلفة فذكر سبأ من نسل الشخصية التوراتيةإبراهيم من ولد إسمه "قيشان" كان شقيقاً لمدينالذي أنجب ديدان.[38] وذكرت التوراة كذلك أن السبئيين كانوا يغيرون على أيوب ويسرقون بقره ويقتلون الأطفال وهي تعطي دلالة أن عدداً من السبئيين كان بدوياً ويغير على المزارعين في مواقع قريبة من اليهود.[39] وذكرت التوراة أيضا سبأ أخرى شقيقة لحضرموت ومن أبناء يقطان بن عابر وهو الإدعاء الذي تمسك به النسابة والإخباريون الذين ظهروا بعد الإسلام[40] وأنهم كانوا يسكنون "ميشع" ونزحو إلى "سفار" ويعتقد الباحثون أن المقصود بسفار عند اليهود هو ظفار يريم عاصمة الحميريين[41] وذكروا سبأ من نسل كوش[42] وهي إن أثبتت شيئا فهو امتداد نفوذ السبئيين إلى عدة مناطق على شكل مستعمرات، وتعدد المناطق التي قدمت منها القوافل السبئية خلط الأمور على اليهود.[43] ذكر الباحثون في سياسة العرب الجنوبيين تكوين مستعمرات وتمهيد الطرق للقوافل، وبناء على ذلك فلا شك أن جماعة من السبئيين كانوا يسكنون على مقربة من أرض كنعان.[44] وقد عثرت بعثة إسكتشاف أمريكية على آثار من النحاس والحديد وكتابات بخط المسند تعود إلى القرن الثامن ق.م في موقع "تل الخليفة" بالأردن يرى الباحثون أن لها علاقة بالمعينيين في العلا.[45][46] هذا لا يعني اعتبار التوراة مرجعا ولكن الوارد فيها قد يعطي لمحة لبعض التواريخ فكتاباتهم تشبه كتابات النسابة والإخباريين العرب تتعرض للأهواء والأمزجة والأحقاد وأغلبها بطابع دعائي كاذب. وقد عثر الأثريون على كتابات سبئية ومعينية في مختلف أرجاء شبه الجزيرة العربية في قرية الفاو بل في العراق كذلك في موقع "وركاء" على شاهد قبر قديم[47] ولا يعرف على وجه الدقة ما إذا كان هولاء الذين دونوا بالمسند في العراق يمانيين أم من سكان البلاد الأصليين. واكتشفت كتابات معينية في ميناء "عصيون جابر" وهو حسب العهد القديم أحد الموانئ المهمة للملك سليمان وكتابات مشابهة في القطيف.[48][49] ورد في نصوص سومرية كلمة "سبا" في كتابة "لجش تلو" ويعتقد أن المقصود "أرض سبأ" وذلك منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد[50]، وقال هومل أن كلمة "سابوم" الواردة في نصوص لملوك أور هي ذاتها سبأ المذكورة في العهد القديم والقرآن.[51]
كان التبادل التجاري مبلغ علم العبرانيين فلا يوجد في كتبهم سوى أن السبئيين كانوا أثرياء وتجار بخور ولبان وأحجار كريمة، ويظهر أن الأمور اختلطت عليهم بسبب تعدد المواقع التي قدمت منها القوافل السبئية[52] المهم في هذه الكتابات اليهودية هو توصيفها لحال الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية. وقد وجدت كتابات تصف وضعا مشابها في كتابات اليونانيين والرومان. كانت الكتابات اليونانية في البداية مبالغا فيها ويشوبها عنصر الأسطورة ولكنها تحسنت بعد الاتصال المباشر لليونانيين باليمنيين القدماء وزيادة أطماع اليونان السياسية كانت دافعا لهم لدراسة الجزء الجنوبي من الجزيرة العربية ودراسة مواطن ضعفه حتى أنهم خزنوا ما كتبوه عن اليمن القديم في خزانة مكتبة الإسكندرية واعتبروه من أسرار الدولة التي لا يطلع عليها العامة.[53]
أما الوارد بشأن جرهم وإسماعيل فهي قصص متأثرة بتراث ديني والتأكد منها من ناحية الآثار يكاد يكون مستحيلا خاصة أن معظم الأبحاث الأثرية لا يثبت وجود هذه الشخصيات وإن وجدت فإنها قد لا تكون بنفس الصورة التي صورتها النصوص الدينية [54] ورد اسم قحطان (الجد الأكبر للقبائل اليمنية وسبأ وحمير وكل هذه الممالك حسب معظم النسابة وكتب الإخباريين) ولكن في كتابات مسندية متأخرة للغاية عن القرن الثاني عشر أو التاسع قبل الميلاد ولم تكن بالصورة التي صورها الإخباريون، فذكر سبأ وحضرموت ومعين وحمير وقتبان أقدم من ذكر قحطان بمراحل وورد اسم قحطن كأرض وليس جدا ولا حتى جزء من ميثولوجيا دينية قديمة[55]، فقد ذكر قحطن كاسم أرض لملك كندة[56]، وقد تظهر الأيام والاكتشافات السر وراء أسطورة قحطان هذا، فرغم أن عدد النقوش والآثار المكتشفة يتجاوز العشرة الآف نقش إلا أن الباحثين يعتقدون أن ما تحت الأنقاض يتجاوز ذلك وإن لم يكن البحث عن قحطان هو هدف الأركيولوجيين الرئيسي من عمليات التنقيب التي لا زالت في بداياتها

تعليقات

المشاركات الشائعة